في الأوّل من تشرين الثاني 1907، عُيّن فرانز كافكا كموظّف في شركة التأمين Assicurazioni Generali حيث عمل لمدّة عام تقريبًا. لسوء حظّه، كانت الشركة قد بدأت بتخفيض النفقات وتسريح الموظّفين، وهكذا أيضًا، في الخامس عشر من تّموز 1908، خسر كافكا عمله في Assicurazioni Generali. ولحسن حظّه، وجد كافكا بعد أسبوعين وظيفة في أمستردام في معهد تأمين حوادث العمّال. وبالتالي، حصل كافكا على خطاب قبول من الشركة يخوّله التقدم بطلب تأشيرة فيزا والسفر إلى هولندا ليبدأ عمله.
بعد مرور شهر واحد، وقف كافكا ينتظر في المطار وسط الزحام. تنهّد وفكّر: "هدفي في الحياة هو العثور على وظيفة، وعلى وجه التحديد وظيفة تغطّي ثمن شراء الخبز ودفع الفواتير. أنا احتقر ذلك. أمضيت الشهرين الماضيين أركض من مكتب إلى مكتب ومن مبنى إلى آخر للحصول على تأشيرة عمل وتذكرة طائرة. إنه شعور كافكاويّ بعض الشيء... هل هذه أقسى طموحات الجنس البشريّ؟ هل هذا ما كانت تهدف إليه عمليّة التطوّر؟ وما أدراني أنا؟ جلّ ما أعرفه هو أنّني عالق في هذا الكابوس من المعاملات الإداريّة."
بعد عدّة ساعات، جاء دور كافكا في طابور التسجيل. مشى ببطء وكسَل باتّجاه الموظّفة لتسليم تذكرة الرحلة المتجّهة إلى أمستردام. ولكنّ الموظّفة، وهي سيدة شقراء ذات عيون زرقاء متعبة، أخذت تذكرة كافكا، قرأت اسمه، توقّفت لبرهة، نظرت إليه وقالت: "سيّدي، ألم يتمّ تبليغك أن طلبك للحصول على تأشيرة قد رُفض؟"
أجاب كافكا: لكنّني أحمل خطاب قبول.
الموظّفة: سيّدي، يؤسفني إبلاغك بأنهم عادوا وأصدروا خطاب رفض.
كافكا: ولكن لماذا؟
الموظّفة: مكتوب هنا أن طولك أقل من 185 سنتيمتر.
كافكا: ماذا عليّ أن أفعل الآن؟ هل يمكنني على الأقلّ استرداد ثمن تذكرة الطائرة؟
الموظّفة: لا يا سيّدي، لكن يمكنك تغيير موعد رحلتك.
خرج كافكا من المطار ممسكًا بخطاب القبول في يده وقد أصابه الإحباط والارتباك. مشى بلا هدف واصطدم بكابينة الهاتف. ثم قرّر الاتّصال بالسفارة الهولنديّة لطلب موعد. نجح في حجز موعد في تمام الساعة ١٢:٠٠ يوم الإثنين، وذلك بعد أن أعيد تحويل مكالمته عدّة مرّات من موظّف إلى آخر.
يوم الإثنين في السابع من سبتمبر 1908، ولد مايكل دبغي، جرّاح القلب اللبناني الأميركي ورائد زراعة القلب الصناعي، في ولاية لويزيانا الأميركية، بنفس الوقت مع وصول كافكا إلى السّفارة في الوقت المحدد. سار على عجل إلى المبنى حتّى لا يخسر دوره. جلس كافكا مع موظّف في القنصليّة وقال له: "تبيّن أنّني غير مؤهل للحصول على تأشيرة لأنّ طولي يبلغ 182 سنتيمتر ويجب أن يكون 185 سنتيمتر على الأقلّ. هل هناك أيّ طريقة لمعالجة المسألة؟"
موظّف القنصليّة: هل أنت تحت 185 سم؟
كافكا: نعم، لقد قلت لك للتوّ إن طولي 182 سم.
موظّف القنصليّة: إذاً لا.
كافكا: هل يمكنني على الأقلّ استرداد رسوم الطلب؟
موظّف القنصليّة: لا، الرسوم التي دفعتها هي رسوم دراسة الطلب وهي غير قابلة للاسترداد.
توقف كافكا للحظة وقال في نفسه: أموالي في أيدي الغرباء.
ثم تابع يسأل موظّف القنصليّة: حسنًا، هل يمكنّني التقدّم بطلب للحصول على تأشيرة قريبًا؟
موظّف القنصليّة: هل سيكون طولك 185 سم في المرّة القادمة التي تقدّم فيها الطلب؟
كافكا: قد أتحوّل إلى شيء أكبر، فأنت لا تعرف أبدًا ما يحدث في الحياة. هل يمكنّني معاودة التقديم؟
موظّف القنصليّة: "بعد تبيّن عدم الأهلية للحصول على تأشيرة، من الممكن إعادة التقدم في العام المقبل. إذا أعدت تقديم طلب للحصول على تأشيرة بعد أن تبين أنك غير مؤهل، باستثناء حالات الرفض 221 (و)، فيجب عليك تقديم طلب تأشيرة جديدة ودفع رسوم طلب التأشيرة مرة أخرى. إذا وجدنا أنك غير مؤهل بموجب القسم 214 (ب) من قانون الهجرة والجنسية، فيجب عليك أن تقدّم دليلاً على التغييرات الواضحة في الظروف ما بعد طلبك الأخير."
كافكا: "حسنًا، أعتقد أنه عندما يعيش المرء لمدة 25 عامًا في هذا العالم ويضطر إلى شق طريقه من خلاله، كما كان يجب أن أفعل، يصبح المرء محصّناً أمام المفاجآت ولا يأخذها على محمل الجَدّ."
بوست فيلوسوفي
http://postphilosophy.com
https://www.instagram.com/post.philosophy
