لطالما أخذ مكيافيلي ألعاب الطاولة على محمل الجدّ. في الحقيقة لقد أخذ الحياة عمومًا على محمل الجدّ. كانت لعبة المونوبولي لعبته المفضّلة، وربما كان هذا هو السبب في أنه لم يكن لديه أصدقاء حقيقيون. لكن من هم الأصدقاء الحقيقيون على أي حال؟ سؤال صعب. هل تريد سماع سؤال أصعب؟ على من يجب التغلب أولاً في لعبة المونوبولي؟ الأغنى؟ الأكثر هيمنة؟ أم الأكثر دبلوماسية؟ كل الاحتمالات خاطئة. عليك أن تغزو الأقرب ثم تنتقل إلى اللاعب التالي.
رمى مكيافيلي النرد ونظر في عيني جلال الدين الرومي وقال: "قضي أمرك أيها العاشق الولهان." كان كونفوشيوس يجلس بهدوء على يمين مكيافيلي، يشرب شاي الياسمين. نظر إلى مكيافيلي وقال: "لا تفرض على الآخرين ما لا ترغب به لنفسك". أجاب مكيافيلي وعلى وجهه ملامح ابتسامة متكلّفة: "أتعلم يا كونفوشيوس... هذا هو سبب كونك سيئًا للغاية في هذه اللعبة". في هذه الأثناء، كان الرومي يحشو خديه بالفول السوداني، تذوَق بعض النبيذ وقال: "لن أحزن. أي شيء أفقده سيعود بشكل آخر ".
ضحك مكيافيلي وقال: "لسنا في الكازينو أيها السكّير. وأنت، أنت هدفي التالي يا كونفوشيوس!" مسّد كونفوشيوس لحيته ونظر إلى مكيافيلي: "الرجل المتفوقّ متواضع في حديثه ومتميّز في أفعاله." أخذ مكيافيلي مجّة من سيجارته وأجاب بحماس: "كفى ثرثرة وارمِ النرد، إنها مسألة وقت لا أكثر. سأحتلّ أراضي ومباني الرومي قبل أن أنتقل للسيطرة على أراضيك. يجب أن أُضعِفَ القوي وأضمن ألا تغزو أي قوة أجنبية مصالحي. من الطبيعي أن تنحاز الأطراف الأضعف إلى الطرف الأقوى ما دام أنها غير قادرة على النمو بشكل مستقل. يجب أن أبسط سيطرتي على كامل المساحة للحفاظ على جميع الأراضي التي احتللتها ". هنا كان الرومي قد أصبح مخمورًا فصرخ قائلاً: "ميكافيللي، يمكنني أن أرى أن حماسك في هذه اللعبة قد زاد عن حده بعض الشيء. هناك شمعة في قلبك جاهزة لتشتعل! هناك فراغ في روحك جاهز لملئه! يمكنك أن تشعر به، أليس كذلك؟! " نظر مكيافيلي إلى الرومي وأجابه بنبرة جادة: "أعتقد أن هذا هو سبب كونك سيئًا للغاية في التخطيط، ثم إن رائحة النبيذ تفوح من فمك معظم الأوقات."
نهض كونفوشيوس وصرخ: "توقّفا عن الجدال! الحياة بسيطة، لكننا نصر على تعقيدها". ضحك مكيافيلي وأطفأ سيجارته ثم قال: "إجلس كونفوشيوس، ما الذي تعرفه عن السيطرة أو إدارة الدولة أو أي شيء حقًا؟ الرجال بطبيعتهم يريدون الحصول على المزيد. وعندما ينجحون في الحصول على المزيد، يثني المجتمع على أفعالهم ولا يُدِينهم بل يعاملهم بتقدير. علينا إدانة الحكام الذين يفتقرون إلى القدرة على الاستحواذ والسيطرة ويراوحون مكانهم في دولتهم الضعيفة". جلس كونفوشيوس بهدوء وأخذ رشفة أخرى من الشاي، أغمض عينيه وقال: "كل ما يمكنني قوله هو أنه من السهل أن تَكره ومن الصعب أن تُحب. هذه هي حقيقة كل شيء. كل الأشياء الجيدة يصعب تحقيقها، والأشياء السيئة سهلة المنال".
الرومي غاب عن الوعي بعد أن غلبه السكر. تدخّل مكيافيلي: "في الغزو، على المرء أن يفهم حرفَتَي الدولة والحرب. الاثنتان مترابطتان. يمكن تجنب الحرب من خلال قمع الفوضى. ومع ذلك، لا يمكن للمرء أبدًا التهرّب من الحرب: تأجيل الحرب يصب دائماً في مصلحة العدو." سأله كونفوشيوس ساخطًا: "لماذا عليك أن تتصرف دائمًا على هذا النحو عندما نلعب المونوبولي؟" رد مكيافيلي بسرعة: "ارمِ النرد يا كونفوشيوس، الرومي خارج اللعبة، وأنت التالي."
بوست فيلوسوفي
postphilosophy.com
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة