إنها الساعة السابعة صباحًا. مولانا الرومي يخرج من كازينو بلخ الأفغاني متعثّرًا بعد أن خسر آخر درهم. كان الرومي يعشق المجازفة، فلطالما ردّدَ أن "لكل شيء ثمن"، ما جعله يخسر أساوره الذهبية وخواتمه ودفعة إيجاره الشهرية، ويفقد وعيه في تلك الليلة. فعلاً كانت ليلة من ليالي أفغانستان القاسية والطويلة التي واجهها جلال الدين الرومي بثلاث زجاجات من النبيذ الرخيص. ولكن كان عليه الآن أن يبحث عن مكان للمبيت والراحة، فهو كان يعلم أنه لا يمكنه العودة إلى المنزل بعد أن أنفق دراهم الإيجار في الكازينو. تحوّل بين ليلة وضحاها إلى مشرّد. ولكن ما هو المنزل على أي حال؟ الشوارع والأنهار والجبال هي الموطن الأزلي، أو على الأقل هذا ما يقوله للناس.
مشى الرومي لساعات حتى وصل إلى جامعة مزار الشريف التي تخرج منها. توجّه إلى مكتبة الجامعة لاعتقاده بأنها ستكون مكانًا هادئًا للنوم والتفكير. ثم دخل قسم الفلسفة كونه الأكثر هدوءًا، ثمّ تمدّد على الأرض، ووضع كتابًا تحت رأسه المترنّح يمينًا ويسارًا. كان سينام لألف عام، أو ربما إلى الأبد. وبينما كان مستلقيًا على سجادة المكتبة الدافئة، قال الرومي: "عندما تصمت الشفاه، يكون للقلب مائة لسان، سأستمع فقط! سوف أغلق فمي وأبقى صامتًا مثل صدفة المحار، لأن لساني هذا هو عدو الروح ".
وعندما غلبه النعاس، دخل باحثان يدعى أحدهما سايمون والآخر غارفانكل إلى قسم الفلسفة بحثًا عن كتب الغزالي المقدسة. كانوا يتحدثون بصوت عالٍ وحماسة قرب الجانب الآخر من الرّف حيث كان ينام الرومي. وفجأة خَرَجَ الرومي من تحت الكُتب ووعظ الباحثين: "يا أصدقائي، الأجوبة لا تطفو في كتب الغزالي. الصمت يعطي الإجابات. الصمت محيط والكلام نهر". أجاب سايمون مستغربًا: "لكن كيف يفترض بنا أن نصل إلى إجابات دون المرور في الجدل أو الديالكتيك؟" أجاب الرومي وبدا على وجهه الارتباك: "إن حياة هذا العالم ليست سوى انسجام الأضداد. لكن طريقة إيجاد الانسجام لا تكمن في الانغماس في خداع الكلمات أو في تشرذم الفلسفات. درب الانسجام تمرّ بِلُغة الصمت. في الصمت بلاغة. توقف عن الحياكة وشاهد كيف يتحسن النمط".
ثم أجابه غارفنكل: "أيها الحكيم السكّير! لكن كيف يفترض بنا أن نقارن الآراء المتناقضة إذا بقينا صامتين؟" أجابه الرومي مسرعًا بلسان ثقيل: "كل شيء معلوم في ظلّ قدسية الصمت. افتح نفسك! استسلم للصمت الأعمى الحبيب. ابق هناك حتى ترى أنك تنظر إلى الضوء بعيون لا تعرف حدودًا، علّني أحصل على 8 ساعات نوم على الأقل". حدّق سايمون في عيني الرومي المتعبتين وقال: "تبدو كأنك مجرّد رجل عجوز بحاجة للنوم والراحة، هل هذا هو سبب تبشيرك بالصمت؟ هل كنت تحاول النوم هنا؟ " شعر الرومي بالهزيمة وجلس على السجادة. لقد كان متعبًا حقًا وبالكاد استطاع السيطرة على جسده الهزيل، نظر إلى أسفل وقال للباحثَين: "لقد خسرت كل أموالي في كازينو بلخ في إقليم خورسان، بما في ذلك دفعة الإيجار الشهرية، ولم يكن لدي مكان للمكوث فيه، وجئت إلى هنا للحصول على قسط من النوم. كل ما أحتاجه هو قليل من الصمت في هذه المرحلة من حياتي وسأكون ممتنًا إلى الأبد. روحي تحتاج إلى الصمت لتخبرني أين أنا من كل هذا. الصمت فقط سيأخذني إلى صميم الحياة، يجب أن أجعل من الصمت فنًّا لأُخرج نفسي من هذا المأزق الرهيب. من خلال الصمت، سأصل إلى مستوى من الوعي أفقد فيه كل هوياتي الدنيوية. بعد أن فقدت هويتي الدنيوية، سوف أتمكن من الوصول إلى أعلى مستوى من الوجود".
فجأة، دخل أمين المكتبة وصرخ: "ما كل هذا الضجيج؟ ماذا يجري هنا؟" نظر الرومي إليه وهو مستلقٍ على الأرض وأجاب: "أنا أبحث عن صوت الصمت!" أجاب أمين المكتبة: "تجدها في الممر الثالث في الطابق الثاني، رف الموسيقى الغربية، واحضر بطانيتك الخاصة!"
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة