إنذار من زياد الرحباني إلى الشعب اللبناني

1993 – كتب جوزف حرب: 

لا يظن أحد منكم أنه آت ليسترخي ساعتين، ويضحك. نعم، ستضحكون كثيرًا، ولكن، ليتكم تحاولون معرفة ما وراء هذا الضحك.
ستشاهدون في هذه المسرحية، نماذج، عيّنات، منها ما يثير الألم، ومنها ما يثير الغضب، ومنها ما يثير حتى القرف أو الشفقة، قبل أن يثير أي ضحك.
في الفصل الأول، ومشهدا إثر مشهد، ستشاهدون عينات، نماذج، يرينا زياد من خلالها، صدأ لغتنا، خطايانا، كذبنا، بشاعتنا، إسلامنا ومسيحيتنا، تبعيتنا، عهر أسواقنا وفسادها، إهانة صلواتنا لأدياننا، عفن فنوننا، جرائم تجارتنا، تعاسة أحزابنا، لا ضرورة الماضين والآتين من قادتنا.
سيرينا أكف لصوصنا، وشقوق جدار دولتنا، مع أسفه العميق، من أنه ولو جعل مدة عرض مسرحيته مائة ساعة، لما اتسعت للقليل القليل من عيناتنا، ونماذجنا.
أما الفصل الثاني، فستشاهدون فيه، ومشهداً إثر مشهد، أية بدائية وأي تبدّد سننتهي إليهما، وأي ريش سينبت في أكتافنا، وأية قرون ستخرج من رؤوسنا، إذا بقي اللبنانيون الكرام في ما هم عليه.
هكذا يروي زياد الرحباني مصير اللبنانيين، مصير الكرامة التي لم تتقن إلا الذل، والشعب العنيد الذي جعلوه يبيع نفسه لكل من دخل عليه، ويصفّق متأهبًا لكل من ساق به إلى الذبح، ويلين حين بات من السهل جداً أن يكون كثير العقد.
إنها مسرحية الإنذار. مسرحية الغضب النابع من أعماق الحب لكم. ومسرحية الخوف عليكم إلى درجة اليأس منكم.
زياد الرحباني خائف على مصيركم ومصيره ومصيري. ولهذا السبب، فهو مصرّ على الانتماء إليكم، وعلى أن يكون واحدًا منكم، ويدًا مضافة إلى أياديكم، في بناء وطن، يريده له ولكم، عصريًا، جديًا، حقيقيًا، صادقًا وجميلاً، وإلا فلتنشق الأرض لتبتلع الجميع، خجلاً من أننا أُعطينا وطنًا لم نحافظ عليه، إلا حفاظ الألسنة على طعم المرارات.
إن بزياد رغبة جامحة، للذهاب معكم إلى العصر والحرية. ولن يتمّ هذا له ولكم، إن لم تحبوا هذا الوطن كما هو يحبه، وإن لم تعترفوا، كما هو يعترف، بأن هذا الوطن، ليس إلا وطنًا صغيرًا، ضئيل القلب، مريضًا، كثير الرطوبة من كونه قليل الوقوف أمام الشمس، بسبب روحه ذات الكرامة الجوفاء، وشعبه العنيد، عنادَ الذي ليس بعظيم إلا في بناء أضرحته.
تعالوا نضحك ضَحِكَ زياد، لا ضَحِكنا نحن، لنحتمل أخيرًا عمق هذه المأساة. ولن تفعلوا، وأنتم في مقاعدكم أمام الخشبة، أيّ شيء، سوى أنكم وما إن ترتفع الستارة، حتى تروا مرآةً لن تشاهدوا فيها غير أنفسكم. وعندئذ يستردّ زياد الرحباني ما أعطاكم من الضحك، ليتقدّم منكم بصوته وعصاه.
إنه إنذار من زياد الرحباني إلى الشعب اللبناني. وفي قناعة زياد، أن كرامتنا ليست بكرامة، وأن شعبنا العنيد ليس بالشعب العنيد، وأن حربنا وسلامنا ليسا لا بحرب ولا بسلام. وعندما لا يقتنع زياد الرحباني، لا بأس من أن نعيد النظر بكل شيء.

* نُشرَ هذا النص ضمن كتيّب وُزّع على مدخل “البيكاديلي” خلال فترة عرض مسرحية “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” (1993)