مجهول لا تطاله الشمطاء

عزيزي المجهول،
أرجو أنك بخير… قد تكون بخير طالما أنك مجهولًا.
أتمنى أن تبقى مجهولًا وتبقى بخير.
المهم. أنت أدرى.
أكتب إليك لأشكرك على تخفّيك جيّدًا. لقد حطّمنا صديقك الذي عرفنا اسمه. قال أنه “لم يعد يمكن التخفي” فوثب وطالته الدرون. لا أعلم لماذا يتكلّم الناس عن الدرون كأنها شابة. أشعر أنها عجوزٌ شمطاء من القرون الوسطى. تأتي لتحصد الأرواح بسحرٍ أسود. بقدرة غير قادر للأمانة. تطير. تقترب. تصوّر. ترعب. تقتل. وتعود بفيلمٍ للجريمة. تحفظه لها هارفرد في إحدى الأرشيفات السرية… لكي تبقى جريمتها للأبد. كما الروح التي حصدتها.
أشعر أنها تحاول الخلود. فترتكب الفظائع لتخلّد اسمها. والروح التي حصدتها خالدة أيضًا… ماذا لو بقيت مجهولة؟ هل كانت لتخلّد اسمها؟
أكتب إليك لأشكرك على رحابة صدرك. لقد ضاق بنا الزمن فلم نجد غيرك لتقييمه ليل نهار. نقيّمك لأنك مجهول. ثم نعود ونراجع جدول العلامات عندما تثب فنتعرّف إليك. تكون قد اصطادتك الشمطاء. ونكون في حزنٍ مضافٍ للحداد المفتوح. نبحث عن صورة. نبحث عن اسم. نقيّم أداء آخر اللحظات كما ربّتنا برامج الواقع. نشاهدك تقول شيئًا. نصغي… لنسمع؟ لا. نحن نصغي لنقيّم… ويبقى من يسمعك حقًا مجهولًا.
أكتب لأسألك إذا كان المجهولون في الأرض كلّهم معروفين لدى الشمطاء. هل تنتهي كلّ حكاية بوثبة؟ هل أنت سعيدٌ في أنك مجهولٌ في الأرض؟ هل تحبّها أكثر من حبّك لقمحها؟ هل فعلًا تزرع ولا تأبه لمن سيحصد خلفك؟ هل تتمنى أن تقول أين أنت اليوم؟ هل تغريك الـsign in في المقاهي والمطاعم؟ هل تمنيت يومًا أن تكتب في البايو: مقاتلٌ في المقاومة ضد الاستعمار الصهيوني الإحلالي؟ هل يزعجك أنّ كلّ من يكتبون هذا ليسوا لا مقاتلين ولا من يحزنون؟ هل يزعجك أنهم غير مجهولين؟
أكتب إليك وما زلت لا أقوى على التوقّف عن التحديق بالواثب الذي اصطادته الشمطاء. هل تشرب الآلة الدم؟ هل تخزّنه في بنوكٍ كبنوك الجلد؟ هل تسبح فيه كما تقول الأسطورة؟ هل تخلطه حقًا بعجين المستوطنين؟ هل صحيحٌ أنهم بهذا الأذى النفسي والشراسة غير الإنسانية لشربهم دم الواثبين مع القمح المعدّل؟ هل أصبح القمح معدّلًا في العالم كلّه من أجل تمرير هذه الجريمة؟ هل تعتقد بأننا سنعيد لبذورنا حريتها يومًا؟
أعذرني.. شردتُ قليلًا. سمعت الشمطاء اقتربت. أرسل روحي كما يفعل كثيرون للتشويش عليها ولإبقاء المجهول مجهولًا. حسنًا ابتعدت.
لا أعلم لماذا أسألك كل هذه الأسئلة؟ لا أجد مرجعًا آخر غير غموض المجهول – أنت – لأتكئ عليه. أشعر بالتعب الذي لا يمكن أن يماثل تعبك… أعلم. أعتقد أنك لن تقرأ هذه الكلمات. ولا تشعر بالتعب. ولا يعنيك أن تجد أجوبة لهذه الأسئلة التي تحيّرني.
أعتقد أنك وجدت أجوبتك.. كمن وجدوا أجوبتهم من قبلك.. ولا زلت تنتظر.
آمل أن تنتظر بعد. أن تبقى بيننا طويلًا. مجهولًا. لا تطاله الشمطاء.
لا نريد أن نعرف اسمك. ولا نريد أن نشاهد أطفالك. ولا نريد أن نتعرّف على زوجتك الصابرة. نريد فقط أن تبقى مجهولًا لأطول فترة ممكنة. بأنانيتنا وتمسّكنا بك… نأمل فقط أن تطال يدك هذه الشمطاء. وأن تضع نعلك فوق ركامها.
أكتب ختامًا لأشكرك مجددًا. وآمل ألا تصلك رسالتي مطلقًا… حيث أنت.
أكتبها للآخرين، لأولئك الذي احترفوا الحزن والصمت وبعضهم احترف الصلاة أيضًا. أكتب لغير المجهولين من خلالك. أتمنى لكم، ولنا جميعًا، حسن الصمود.
عسى أن يكون هذا النص مضادًا للوثبة في العدم.
سلامات،
أريج

