على الضفة المقابلة: المجتمع كلوحة فنيّة

–
في هذا العمل التجريبي التشاركي، يستَعين محمد خلف بأدوات توليف الصوت للتنقيب داخل عناصر الحياة اليومية والواقع المُعاش، فيُحَوِّل المشهد الصوتي العام في المدينة وزحمة السيارات والمارة إلى موجات صوتية تتكرّر، تُستنسَخ، تتجرَّد من وِعائها المعتاد وتتحول إلى شكل فنّي خام، مقطع موسيقيّ، تماماً كما يشير هربرت ماركوزه في عرضه لـ “المجتمع كعمل فني”. تتكشَّف عن هذه التجربة محاولة إيقاظ الحواس لدى الإنسان وتقديم لغة تُخاطب الرّوح البشريّة.
يتابع حسّان شامي المسار نفسه، يأخذ تصميم محمد الصوتيّ ويُواكِبُه بالمواد البصريّة: يفكّك مقاطِع الفيديو الأرشيفية ويحوّلها بتقنيّات حديثة إلى بيانات رقمية ومكانية مجرّدة من أيّ معنى أو رموز، لِيُعيد تركيب تمثيلات جديدة للواقع. لكن هذه التجربة الجمالية لا تنتهي عند حدود السموّ والارتقاء إلى عالم المثُل الأفلاطونية، إذ تَعود الموجات الصوتيّة والصّوَر تدريجيًا إلى واقعها الأصلي، تَهدُر في المجتمع وتملأ الشوارع صخبًا بدل الهروب إلى عوالم جماليّة جاذِبة ولكن غير مؤثّرة.
الثقافة، بمعناها التحرري، تقف على الضفّة الأخرى من النهر رافضة الانصياع لأوامر الجماعة. لكنّها لا تنتمي إلى الضفّة بهدف الإنعزال أو الهروب من الواقع، بل لخلق المسافة النقدية الضرورية لتخيّل واقع بديل. “أن تكون إنساناً يعني أن تملك يوتوبيا”، يقول إرنست بلوخ. ولعلّ هذه التجربة البصرية-السمعية التي نقدّمها لمتابعينا، بمحدوديتها وطابعها التجريبي، هي دعوة بسيطة لامتلاك تلك اليوتوبيا والعودة إلى المجتمع لتحقيقها.

