الظّلمة طريقة تستنزف بشدّة آخر ما لدينا من قوّة، ونحن نحاول الحطّ من قيمة الحقائق المرهقة. الظّلمة جهد نبذله في سبيل سبك نصّ إما تمنع السلطات نشره، أو تنشره مع تعليقات تكون بمنزلة ترياق "للسمّوم" الّتي يحتويها. الظّلمة أن تكتب خمس أبحاث لأصحاب الفطنة فيُتلف واحد لأنّ السلطة ترى فيه ترويجًا للرّذيلة. الظّلمة أن يُسِرّك النّظر الجدّي في كتابك، فلا تجد من يحتمل مشقّة قراءة كتاب لا يقترن مع توصية من مرجعيّة كبيرة. الظّلمة أن تيأس، وأنت مُدرك لنقيصتك في معالجة أيّ استياء. الظّلمة أن تأمل تسيّد الحقيقة على لامبالاة العالم. الظّلمة أن تعرف عزوف الأكثرية عن خوض الأبحاث المجرّدة. الظّلمة أن تتوقّف فضيلة العمل على رداءة أو صلاح الدّوافع. الظّلمة أن يُستخدم صغر سنّك ضدّك حين تكتب في ناحية دقيقة جدًّا من الفلسفة. الظّلمة أن تصل إلى أعالي الرّيبية بدم بارد. الظّلمة عجزك عن اكتشاف المجالات الّتي أخفقت فيها. الظّلمة عجزك أيضا عن مراكمة المعرفة الّتي تعتقد بضرورة نقلها إلى الأجيال القادمة. الظّلمة أن يكون أقصى أملك في أحدهم أن يمتلك من الصبر ما يكفيه لقراءة رسالتك الطّويلة جدّا. الظّلمة أن ترجو من القارئ أدنى مستوى من الاهتمام الذي يعطى لأيّة كتب فكريّة. الظّلمة أن لا تلقى كرّاساتك رواجا في وقت أنّ كثيرًا من ذوي النفوذ يجب أن يكونوا تلاميذ لك. الظّلمة حياة قصيرة لا يمكنك خلالها رؤية حالة مجتمعيّة تعتقد أنّها قادمة. الظّلمة أن تكتشف الوسيلة الجديدة الّتي يمكن بها تأسيس الحقائق، فتجدها هدّامة. الظّلمة حيَل جدليّة يتوهّم البعض نجاعتها في أن تكون صالحة للبرهنة. الظّلمة رسالة لا تعبّر عن النّسخة الأحدث منك، لكنّك تُعرف بها لا بما تريد أن تُعرف به. الظّلمة أن تمتلك الحصافة والدّقّة الّتي تليق بقضيّة تعالجها، وأنت مفتقر لأسلوب ناضج يمكّنك من إشراك غيرك في تفحّص ما في ذهنك. الظّلمة أن تخفي حواراتك المدوّنة خوفا من البغض الّذي قد يصيبك بسببها، فيخسر المهتمّون بسيَر الفلاسفة الذاتيّة بعض ألمع التّأمّلات لواحد من كبار فلاسفة التّاريخ. الظّلمة أن لا تعرف كيف تملأ وقتك وأنت غارق في العزلة والفراغ. الظّلمة أن يُعتبر نتاجك، والّذي سيخلق لاحقًا بابًا جديدًا للتّفلسف، نتاجًا سامًّا. الظّلمة أن تُرفض إدّعاءاتك قبل النّظر إليها لأنّ ظنّ المتلقّي أنّ مبدأك العدميّ لا يثوّر دافع قول الحقيقة في داخلك. الظّلمة أن يظلّ من غير المؤكد إذا ما كان الإنسان خلال سيرورته من الطفولة إلى الشّيخوخة يتقدّم إلى نقطته المرجوّة من الكمال أم أنه يبتعد عنها. الظّلمة أن تتجدّد الطبيعة الوحشيّة في أكثر مجتمعات الجنس البشريّ تحضّرا. الظّلمة أيضا أن يُثار العنف الشّديد من قبل أصحاب الحصانة. الظّلمة أن نتبجّح ببضع أبحاث تتجه نحو فلسفة صحيحة أكثر، واعدة بالحقيقة، لكنّ المدّة القصيرة التي يمكّنك جسدك الآيل للفناء من عيشها، غير كافية لِلَحظ وصولها إلى درجة من الكمال. الظّلمة أن تعتاد المأساة، وتدمن طلبها بذاتها لذاتك. الظّلمة أن تكون آثار الحزن وأعراضه مهيمنة على بقيّة التراكيب المشاعريّة. 


هاك ثلاثين معنى للظلمة، كان من الممكن أن يكونوا مئة، أو مئتين، كان من الممكن أن أستخرج المزيد من معاني الظّلمة من كومة الرّسائل الملقاة أمامي، لكن الظلام اجتاح غرفتي أيضا، وحلك مكتبي. والفكرة الوحيدة المضيئة في ذهني الآن، أن الظّلمة أسطع من النّور.


كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة

لمزيد من التفاصيل أنقر هنا
Patreon support button