English version available here

مقدمة:

أثناء كتابة أسئلة هذه المقابلة في نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كان حوالى 8 آلاف فلسطيني في غزة قد قتلوا على يد آلة الحرب الإسرائيلية عالية التقنية. تضاعف العدد ثلاث مرات قبيل نشر المقابلة في يناير 2024. ماذا نستخلص من ذلك؟ من الصور التي تم نشرها في بث مباشر للضحايا والقتلة؟ لماذا لا يستطيع كثيرون منا التوقف عن متابعة مجريات الحرب؟ والأهم من ذلك، كيف "نرى" الحرب؟

للإجابة على هذه الأسئلة، تواصلنا مع نيكولاس ميرزوف Nicholas Mirzoeff، مؤلف كتاب "كيف نرى العالم"، و"مشاهدة بابل"، و"الحق في النظر"، لمعرفة المزيد عن كيفية "رؤية" الحرب، وهي نشاط وظاهرة غريبة تثير الاهتمام وقد اعتدنا عليها منذ ظهور التلفزيون المعولم. من بين جميع تجارب المشاهدة، يصف ميرزوف متابعة الحرب بأنها "التجربة الحية الأكثر كثافة لناحية أنها موجودة لتشهد انقراض الحياة البشرية".

مجال خبرته هو الإعلام المرئي وليس العلوم السياسية أو العسكرية. والثقافة البصرية (Visual culture)، كما يعرّفها ميرزوف، تهتم بالموضوعات البصرية: “يتم تعريف الناس بأنهم ذواتٌ ترى (بغض النظر عن قدرتهم البيولوجية على ذلك) وتشكّل موضوعاتٍ لأنواع من النقاشات البصرية”. في "مشاهدة بابل"، سعى ميرزوف إلى وضع أسس ممارسة الذاتية البصرية في الحياة اليومية في ظل حالة "الحرب على الإرهاب" الطويلة والدائمة، المتجسدة في غزو التحالف الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003. ويتناول الكتاب "مشاهدة صورِ استعراض القوة على نطاق عالمي وتأثيره على سكان محليين في مناطق محددة". ويُعرّف بعض الحقائق المتصوَّرة بأنها "الرؤية البيضاء" (White sight)، ليس للإشارة إلى ما يراه الشخص الأبيض، إنما إلى "نظام ثقافي مكتسَب" يحافظ على هيمنة واقع الرجل الأبيض. وعندما تصبح الصورة معلومات "تنقطع صلاتها بالذاكرة والذكرى وتصبح مجرد أداة حرب". وهذا، بحسب ميرزوف، هو تأكيد على وظيفة الإعلام المرئي كسلاح. ويقترح في النهاية الانخراط في النشاط البصري (visual activism) كتطبيق عملي لعملية ضرب توجّهات "الرؤية البيضاء" الكارثية.

منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كانت الحرب التي لا يزال معظمنا شاهداً عليها من وراء الشاشات - باستثناء سكّان غزة - حدثًا مرئيًا في الغالب. كثيرون اختاروا عدم الرؤية أو لم يتمكنوا من المشاهدة، وتحديدًا من بين الأفراد والمنظمات الذين يتمحور مجال خبرتهم حول الإعلام المرئي. بل إن بعضهم قد يعمد إلى خلق معلوماتهم المرئية المضللة لاستخدامها كسلاح وإضفاء الشرعية على المجزرة. وبينما انخرط العديد من الأشخاص في هذا السعي الدؤوب للحصول على المعلومات، وجد آخرون أنه من المستحيل الحفاظ على التزامهم بالدقة في مواجهة التدفق المتواصل للصور المستخدَمة كسلاح. تهدف الثقافة البصرية إلى الاستجابة بشكل يومي إلى فهم التغيير "في عالم كبير للغاية، تصعب رؤيته ويتحتّم تخيُّله". التفكير البصري (Visual thinking)، كما يسميه ميرزوف، هو الطريق للقيام بذلك. إنه شيء “لا ندرسه كأكاديميين فحسب؛ علينا أيضًا أن نتعامل معه بأنفسنا. مرددًا صدى أطروحات ماركس حول فيورباخ، يؤكد ميرزوف: "بمجرد أن تعلمنا كيف نرى العالم، فقد اتخذنا خطوة واحدة فقط من الخطوات المطلوبة. المهم هو تغييره."

في سبتمبر 2023، قبل شهر واحد من بدء الحرب في فلسطين، نشر ميرزوف مقالًا بحثيًا في محاولة لتتبع طرق رؤية نكبة فلسطين من خلال الأعين والأعمال الثقافية والأدبية الغربية والفلسطينية. نحاول في هذه المقابلة تتبع أنماط التفكير البصري حول الحرب في سياق 500 عام من الاستعمار الاستيطاني والمقاومة اليومية في "إمبراطورية المخيمات".

(هذه نسخة منقحة ومترجمة للمقابلة التي أجريت في 5 نوفمبر 2023. تم تحرير المقابلة توخيًا للوضوح  وتخفيفًا من الإطالة.)

كيف نرى الحرب؟

1- ينظر علم الأعصاب إلى الجسد والعقل كأنظمة متكاملة والأشخاص ككائنات اجتماعية مجتمعية تتواصل من خلال التعاطف. وانطلاقاً من ذلك، نتعلم كيف نصبح أفرادًا كجزء من مجتمع أوسع. هل يمكن لعملية مشاهدة الحرب من خلال وسيلة مثل شريط أخبار فيسبوك أن تربطنا على المستوى البشري وأن تنتج تعاطفاً؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فهل هناك صيغة أو وسيلة تسمح بإنتاج شعور "التعاطف" من خلال فعل "الرؤية"؟

نيكولاس ميرزوف: لا أعتقد أن مشاهدة الحرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي تخلق التعاطف، للأسف. أعتقد أن العملية التي يشار إليها في علم الأعصاب هي اللقاء وجهًا لوجه بين شخصين وليس لقاءًا بين شخص ووسائط إعلامية. لذا فإن ما تحدثتُ عنه سابقاً، ما أسميه "الحق في النظر" هو لقاء في المقام الأول بين أشخاص وافقوا على أن يعيد واحدهم "اختراع" الأخرين. فبينما أنظر إليك وأنت تنظر إلي، يجري تبادل بيننا كلانا لا يتحكّم في حدوثه، إنه أمر مشترك بيننا. وفي تلك اللحظة، يمكننا أن نتعرف على شيء ما لدى بعضنا البعض. لكن ما لا تفعله تلك اللحظة هو إزالة اللامساواة أو التراتبية، لكنها قد تجعل الفرق مرئيًا أو أكثر جلاءً.

2 - "الرؤية هي فعل ننجزه، وليس أمرًا يحدث بشكل طبيعي. وما اعتدنا على أن نسمّيه "صورة" أصبح عملية حاسوبية، حتى داخل الدماغ البشري". هذا يشبه الفينومينولوجيا أو علم الظواهر، وهو دراسة الواقع الموضوعي من خلال التجارب الذاتية عبر توظيف "القصدية" (Intentionality). ومع ذلك، فإن الكثير مما "نراه" الآن متصل بطريقة أو بأخرى بالآلة أو ينتج دفقًا من المعلومات. ما نسبة "الآني" في ما "نراه" من المعلومات المرئية التي نلتقطها في اللحظة الحالية؟ ما مقدار المعلومات التي تُستَحضر من الماضي أو من "السياق" لكي تساهم في التركيب البصري لـ"الآن"؟

ن.م.: عملي يتعلق في الغالب بتأثيرات الوسائط المرئية وارتباطاتها بالناس. ما نراه في اللحظة الآنية يستحضر تواريخ الماضي. أحيانًا نكون مدركين لذلك تمامًا، وأحيانًا أخرى لا نكون. هذه هي الحالة التي أسميتها تيمّناً بفرانتز فانون "اللاوعي الثقافي" (Cultural unconscious). وهذا مخزون هائل من الصور والمراجع وما إلى ذلك والتي يمكن استحضارها من دون وعي (وهذه هي طبيعة اللاوعي). وهذا الأمر يتكثّف بقوّة في مرحلة الطفولة حيث نواجه أشياء كثيرة لأول مرة ونقوم بتخزينها في ذاكرتنا. على سبيل المثال، بعض الأشياء التي يتعذر على المرء قولها في محادثة للبالغين أو في حياة البالغين، يبقى قوله ممكنًا عبر الرسوم الكاريكاتورية.

إن اللاوعي الثقافي موجود دائمًا حتى لو لم نكن واعين لوجوده. إنه ينظّم إلى حد كبير لقاءاتنا مع الناس. تلك التواريخ والذكريات واضحة ومحسوسة. لقد ناقشنا هذه الأمور في الولايات المتحدة على نطاق واسع جدًا من خلال إزالة وهدم المعالم العنصرية والاستعمارية، وكانت هذه إحدى الطرق التي تمكنّا من خلالها من إظهار هذا اللاوعي الثقافي. والأمر يشبه تغيّر منطقة جغرافية بعد إزالة نُصب كبير منها. وإثر ذلك تدور محادثة حول ما يجب أن يحلّ محل النُصب. وأثناء تلك المحادثات، ننخرط في توعية "الوعي" ("Consciousizing" consciousness) (وهو أيضًا مصطلح لفانون). بمعنى آخر، نعيد الأشياء إلى السطح ونتحدث عنها. وأعتقد أن هذا مهم للغاية أثناء تداول الصور في زمننا هذا.

"تفاهة الصور"

3 - مستعيراً من "تفاهة الشر" لحنا أرندت التي حاولت فهم المحرقة النازية، تُعلن عن "تفاهة الصور" كلما تراجعت قدرة المُشاهد على خلق معنى والاستجابة لما يراه بعينيه. وتؤكد أن "تفاهة الصور ليست من قبيل الصدفة، بل هي نتيجة جهد متعمد من قبل أولئك الذين يخوضون الحرب لتقليل تأثيرها البصري عن طريق إشباع حواسنا من خلال رشقنا بلا هوادة بصُوَر لا يمكن تمييزها ولا يختلف بعضها عن بعض". فهل لا تزال هذه النظرية التي طرحتها بعد غزو العراق تنطبق على المحتوى الذي يرفعه المستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي اليوم؟

ن.م.: الحرب في العراق حدثت قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. ومن الواضح الآن أننا نعيش في عالم مشبع تمامًا بالإعلام الاجتماعي يُبثّ محتواه عبر فيديوهات على يوتيوب  أو تيك توك، وبالصور على إنستاغرام. لكن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي، في الواقع، إلى تفاقم ما يمكن أن أسميه "تفاهة الصور". ولكثرة الصور المتداولة، يصعب جدًا إبراز صورة واحدة أو استخدامها لتمثيل ما يحدث بالفعل، لأن شخصًا ما سيقول بعد ذلك "أوه ولكن انظر، هنا شيء آخر". هناك دائمًا صورة أخرى للرد على الصورة الأولى. ورأينا أيضًا أن تداول الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي يخضع لتفضيلات الخوارزميات وليس لرغبات المستخدمين. وتحدد الخوارزميات وتخفي أنواعًا معينة من الصور على وجه الخصوص. وهذا يعني أن ذلك التفاؤل الذي كان يعمّ في التسعينيات بشأن ديمقراطية الصور المرئية على الإنترنت، انطفأ بالفعل بحلول 2005. وبحلول 2023، غابت تمامًا ديمقراطية الإنترنت.

4- تستعير إحدى وسائل والتر بنيامين لاستعادة المعنى من صور العنف، حينما يضعها ضمن نمط معين من العمل الأدبي التاريخي وهو "الملحمة". وتذهب إلى أن مزيج بنيامين من البحث التاريخي والحجة النظرية والمذكرات النقدية يمكن أن يكون بمثابة خارطة توضيحية يُستعان بها أثناء تنقّلنا في جحيم الحياة اليومية الحديثة. كيف نفهم هذا في سياق عمل "المواطن الصحافي" الذي يوثق الحياة في غزة أثناء قصف الطائرات الإسرائيلية الهمجي؟

ن.م.: اقترحتُ هذه الصيغة في كتاب "مشاهدة بابل" باعتبارها طريقة تفكير لأولئك الذين كانوا يشاهدون الحرب من دون أن يشاركوا فيها. والآن أنا جالس هنا في نيويورك مدرك تمامًا لما يحدث في غزة، ولكن بالطبع، كل ذلك يأتي إلي من خلال الشاشات. أن تكون حاضرًا هناك لهو أمر مختلف للغاية. وليس من حقي بأي حال من الأحوال أن أقدم النصيحة لصحافي يحاول العمل في ظل الظروف التي لا يمكن تصورها حاليًا في غزة. أريد أن أعرب عن مدى امتناني للأشخاص الذين هم على استعداد للقيام بهذا النوع من العمل لأنه عندما تصل هذه اللحظة إلى نهاية ما، سننظر إلى عملهم لتجميع ما حدث بالفعل. وسوف نجد، كما فعلنا مع نهاية الحرب في العراق، أن ما بدا وكأنه يحدث في الواقع لم يكن هو الحال دائمًا، خاصة بالنسبة لأولئك من بيننا الذين يشاهدون الحرب عبر وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنكليزية أو باللغات الأوروبية للحصول على المعلومات.

صاروخ يصيب برجاً سكنياً في غزة قرب صحافية أثناء بث تقرير تلفزيوني

اللامرئي في إمبراطورية المخيمات

5- في مفهوم "إمبراطورية المخيمات" (Empire of camps) الذي يرتبط ارتباطاً وثيقًا بفلسطين، تغوص في معنى فعل الرؤية ضمن نموذج جديد للقوة المعولمة التي تمارس سلطتها. تقول إن إمبراطورية المخيمات تجعل الآخرين غير مرئيين في مجتمع يمارس الحياة اليومية في ظل سيطرة تامة انطلاقًا من نقاط تفتيش أمنية أو عسكرية، ومراقبة مشدّدة، وبالفصل المكاني بواسطة الجدار العازل. ما الذي يجعل ممارسة السلطة مختلفة في مخيّم ما، مقارنة بالقوة المعولمة التي تمارس سلطتها في مجتمعات أخرى؟

ن.م.: إنه سؤال مهم، وقد جعلني أفكر في الطبعة الثالثة من كتابي "مدخل إلى الثقافة البصرية"، الذي صدر للتو في تموز/يوليو 2023. وقلت فيه إن حاجز التفتيش المستخدم في الضفة الغربية هو الآن نموذج الصورة المرئية للمراقبة الحديثة. كنا نتحدث عن شيء يسمى "البانوبتيكون" وهو عبارة عن سجن تخيّله الفيلسوف البريطاني جيريمي بنثام في القرن الثامن عشر ثم تبنّاه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في السبعينيات. كان الهدف من البانوبتيكون أن يكون الجميع مرئيون دائمًا. لكن هدف بنثام كان واضحاً للغاية: إصلاح الناس في البانوبتيكون لجعلهم مرة أخرى كما قال بنثام "مواطنين مفيدين". غير أن ما نراه في نظام الحواجز الآن هو تحوّل وظيفته ببساطة إلى الاعتقال وليس الإصلاح. وفي النسخة الأولى من هذا الكتاب، تناولتُ تركيز سياسة "الاحتجاز والترحيل" في المقام الأول على المهاجرين. ونحن نرى ذلك مرة أخرى، الآن، في نيويورك، وفي بريطانيا حيث يتم احتجاز المعتقلين مرة أخرى في سفن عائمة كما كان الحال في القرن الثامن عشر عندما توصّل بنثام إلى خطته لمحاولة التوصل إلى شيء أقل عنفًا، أقل عداءًا. لكن في حالة غزة والضفة الغربية، فإننا نشهد ظهور الاستعمار الاستيطاني. وفي تحليله للاستعمار الاستيطاني، يرى الباحث الإيطالي لورنزو فيراسيني أن ما يقوله المستعمر الاستيطاني هو "اذهب بعيدا". وهذا ما أعتقد أننا نراه في غزة الآن. أمرٌ بالرحيل . إلى أين سيذهب هؤلاء الناس؟ لا يمكن الإجابة على ذلك لأنه معسكر بالمعنى الحرفي للكلمة حيث يوجد جدار على طول الطريق، وهناك مخرجان وكلاهما مغلق. يُطلق على غزة بِحقّ اسم أكبر سجن مفتوح في العالم. لكن السجن على الأقل يتضمن إمكانية انتهاء مدة الاحتجاز. وفي هذه النسخة من إمبراطورية المخيمات، فإن الاعتقال هو بلا نهاية والاعتقال ليس له غرض سوى الاحتجاز. لذلك أعتقد أنه في العشرين عامًا الماضية، شهدنا بالفعل تكثيفًا ملفتًا للنظر في نظام نقاط التفتيش الذي كان بدأ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قبل أن ينتشر في كل مكان. لقد شهدتُ على ذلك شخصياً. في اللحظة الأولى التي سبقت أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، رأينا الجرافات تخترق السياج. وكانت تلك صورة ملفتة للنظر للغاية، وأظهرت جليًا أن "المخيّم" هو بالفعل سجن.

6- لقد ذكرتَ أن كل منطقة محلّية هي أيضًا جزء من المعولم. ومع ذلك، كما يذكّرنا إدوارد سعيد في "الاستشراق"، فإن جميع المناطق ليست متساوية بأي حال من الأحوال. وتعتمد وجهة النظر هذه إلى حد كبير على وسائل الإعلام المتاحة لك مشاهدتها أو التي ترغب في مشاهدتها، "والتي لم تعد مقيّدة بالحدود الوطنية. ولذلك هناك عدد لا حصر له من وجهات النظر" التي يمكن مشاهدتها. إحدى وجهات النظر هذه يمتلكها المواطن (الفلسطيني) الصحافي الذي تعلّم المهنة في الجامعة أو علّمته الحياة كيف يرى عالمه ويوثق الحياة اليومية في غزة تحت القصف الإسرائيلي. وفي لحظات اليأس، يتساءل هذا الصحافي، وقد تحوّل موضوعًا وهدفًا في آن واحد، ويغرّد: "هل نحن أقل شأنًا؟ لماذا لا يرانا العالم؟.. "نحن نشاهد موتنا...". ما الذي يجعل هذا الشخص غير مرئي للعالم؟

ن. م.: أعتقد أن هذه المسألة تتبع إلى حد كبير ما كنا نناقشه للتو، وهو طبيعة إمبراطورية المخيمات. إذا كان يُنظر إلى الشخص على أنه معتقل أو مُدان بطريقة ما، فهو بالضرورة من وجهة نظر إمبراطورية المخيمات وفي النظام السجني شخصٌ من الدرجة الثانية. وتاليّا، يصبحون كأنهم أقل شأنًا من الشخص غير المسجون، الشخص الطليق. لذا فإن أي فعل ينفّذه الشخص المسجون غالبًا ما يؤكد التحيز والاحكام المسبقة التي يؤمن بها الشخص غير المسجون. وعليه، فإن ما يميّز النظام السجني هو أنه يعزز هذا الاختفاء في كل مرحلة. وكلما حاولتَ أن تجعل نفسك مرئيًا بطريقة معينة سارع العالم الخارجي إلى القول "لا شيء لنراه هنا. نحن نرفض رؤية هذا”. أفكّر هنا في تلك اللحظة من 1857، عندما ثار الجنود الهنود والناس العاديون ضد الإمبراطورية البريطانية في ما يسمى الآن "الثورة الهندية الأولى"، ويطلق عليه البريطانيون تسمية "التمرّد الهندي" أي أن الجنود الذين كانوا يعملون معهم ثاروا ضد حكمهم. وقد أصيبت الطبقات الإدارية والاستعمارية البريطانية هناك بصدمة كبيرة: "كيف يمكن أن يحدث هذا؟ كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يكونوا جاحدين إلى هذا الحد؟" رد البريطانيون بعنف شديد في 1857. وردّوا بإعادة الحكم المباشر من لندن، بحيث لا تكون هناك إدارة محلية. ولكن بعد أقل من قرن من الزمن أصبحت الهند مستقلة تماما في 1947. وهنا أستعيد مقطعًا في كتاب فانون "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء"، كثيرًا ما أوقعني في حيّرة، لأنه في نهاية ذلك الكتاب يقول "في القرن العشرين، سوف نشهد ظهور نوع جديد من البشر"، وأعتقد أن ذلك سيحصل في فلسطين. ومن الواضح الآن أنه يبدو من المستحيل تخيّل ذلك. ولكن إذا فكّرنا أن فانون كتب كتابه في عام 1952، فلدينا وقت بين الآن وذلك الحين، في عام 2050. ويبدو لي أن التصعيد الذي نشهده في الحرب الآن، واستخدام القنابل التي يبلغ وزنها طن، والدمار الذي تخلّفه، قد يتسبب أخيرًا في رد فعل يجعل إمبراطورية المخيمات في فلسطين مرئية حقًا ويقرر الناس أنها لم تعد مقبولة. وقد يتحقق تنبؤ فانون. ولا أدّعي أن ذلك سيحصل خلال أسابيع أو أشهر، ولكن خلال العقود القليلة المقبلة. وهذا، بالطبع، ليس عزاءً لأحد، فأنا لا أرغب في إظهار ذلك كنوع من العزاء للأشخاص الذين يقاسون عنفًا لا يمكن تصوره حاليًا. كل ما يمكن للمرء أن يقوله هو أنه ربما يقدم بعض العزاء على مستوى ما، وقد يتمكن المرء من الصمود في خضم المعاناة التي يصعب تخيّلها من مسافة بعيدة.

"صدّق ما ترى"

7- كيف يجب أن نتصرف عندما تقول لنا "الشرطة"، بمعناها الأوسع، أنه "لا شيء لنراه هنا"، "لا شيء لنفعله"، أو "حافظ على هدوئك وتابع سيرك"؟ ومن ناحية أخرى، فإن الغربيين الذين يزورون الضفة الغربية على سبيل المثال، يكررون ملاحظة ملفتة للنظر: "كنت بحاجة إلى أسبوع واحد فقط لأرى وأغير رأيي بشأن كل شيء". ما مدى كفاءة "الشرطة" عبر الحدود في التحكم في كيفية تجربتنا للثقافة البصرية في زمن معولم؟

ن.م.: سأتحدث عن المكان الذي أنا موجود فيه الآن وليس عن أجزاء أخرى من العالم، أي في الولايات المتحدة… الملفت للغاية هو أنه بعد مقتل جورج فلويد وانطلاق حركة "حياة السود مهمة" في 2020، كان هناك تحرك شامل وعميم، وحوار مستمر وواسع النطاق حول ما وصفتَه للتو بالتحديد: الشعور بأنك "بمجرد رؤيتك ذلك، لا يمكنك العودة إلى ما قبل"، وأنك أدركتَ أخيرًا ورأيت مدى توسّع إمبراطورية المخيّمات هنا، ونظام السجن الجماعي، والعنف المذهل الذي تمارسه الشرطة، والذي كان لا يزال غير مرئي. أصبح كل ذلك معروفًا ومكشوفًا. وفي محاكمة قاتل جورج فلويد، كان لافتًا للغاية قول المدعي العام "صدّق ما ترى". التقطت فيديو قتل جورج فلويد امرأة تبلغ من العمر 17 عامًا، فغيّرت بالفعل التوازن بين المراقبة العلنية Surveillance وما نسميه "sous-veillance"، وهو المراقبة الخفية، أي مراقبة الشرطة من بالمخفي.

في الولايات المتحدة، مرّت علينا ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية الراديكالية، بين أولئك الذين يحاولون يائسين استعادة نظام "تابع سيرك، لا شيء لتراه هنا" وأولئك منا الذين ما زالوا يرغبون في المناقشة والتفكير في كيفية تجاوز مثل هذا النظام. وما رأيناه في بداية الحرب هو شيء مشابه. لكنْ محاولة الخوارزميات التحكم في ما نراه، يجعل إدراكنا لما يحدث على الأرض أمرًا جزئيًا. ومع ذلك، وبمرور الوقت، كما نرى، وكما رأينا سابقًا في العراق وأفغانستان، يتغير المنظور. لذا فإن البحث في جدوى الشرطة في كثير من الأحيان يكون بطرح السؤال: ما هي وظيفتها؟ وظيفتها هي دعم إمبراطورية المخيمات وتعزيز استمرارها، ودعم النظام النيوليبرالي الذي نشأ قبل أربعين سنة.

أعتقد أننا "نرى" بشكل جماعي، على مدى فترة زمنية طويلة، وقد ذكرتَ هذا أيضًا، وأتذكّر هنا الفيلسوفة الكاريبية سيلفيا وينتر. في التسعينيات، استخدمت شرطة لوس أنجلوس الاختصار "NHI" ويعني (No Humans Involved) "لا بشر متورطون". وذلك للإشارة إلى حادثة عنف تورط فيها أمريكيون من السود. وهذا ما رأيناه في سياق مختلف مع الحرب في غزة عندما سمعنا الناس الذين يعيشون هناك يوصَفون بالحيوانات. لقد سمعناهم يوصَفون بالهمج. لقد سمعنا أن كل شيء في غزة يجب أن يُمحى. لا يمكنك أن تقول ذلك إلا إذا كنت تعتقد أن "لا بشر متورّطون". ونحن ننظر إلى ما يزيد عن 500 عام من التاريخ الاستعماري ولا نتفاجأ لأننا نرى الأوروبيين يرون الأشخاص الذين قابلوهم في الأميركتين على أنهم ذوو ذيول أو أشباه بشر. سمعنا هذه المقولة مرارًا وتكرارًا خلال الـ 500 سنة الماضية من الاستعمار الاستيطاني. وما لم يكن متوفّر لدينا في الماضي هو إمكانية إجراء محادثة عابرة للحدود على الانترنت (على الرغم من التسويق التجاري، واستخراج القيمة من ذواتنا الرقمية، والثقافة الرقمية المعزّزة بالإعلانات الموجّهة بالخوارزميات). ولا يزال هناك هامش بين عملية الاستخراج التي يريدون تحقيقها والمساحة التي يجب أن يمنحوها لك حتى تصبح على استعداد لأن يتم استخراج انتباهك. من الواضح أن شركة غوغل لا تصنع برنامج التخابر Google Meet الذي نستخدمه الآن لإجراء هذا النوع من النقاشات، بل تصنعه لغرض تنظيم اجتماعات العمل. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن لهذا البرنامج إلا أن يؤدي إلى إحداث شقوق كافية في الجدار حتى ينهار. ومن ثم نبدأ عملية البناء مرة أخرى. علينا أن نبدأ بالبناء من جديد.

8- لقد أوضحت في سياق حرب العراق أن الشخص الذي يشاهد قناة الجزيرة سيكون لديه تجربة مختلفة تمامًا عن تلك التي يعيشها مشاهِد قناة فوكس نيوز المملوكة لروبرت مردوخ. بينما أشاهد الحرب من خلال وسائل الإعلام المرئية عبر الإنترنت، أستطيع أن أشعر أن استراتيجية الصدمة والرعب التي تطبَّق في غزة تُعرَض في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي، بفضل مراسلين ومواطنين. وفي المقابل، تحاول وسائل الإعلام الرئيسية إخفاء حجم وتصاعد حدّة التدمير. وهذا عكس ما حدث في بغداد في 2003، حيث ادعى الجيش الأميركي أن القنابل الذكية نفذت هجمات "جراحية" دقيقة. ما يحدث الآن في غزة أصبح نسخة مطوّلة عن استراتيجية الصدمة والرعب. الناس الذين يشاهدون الحرب من كافة أنحاء العالم يشعرون بالرعب. ويشعر الفلسطينيون الذين يتعرضون للقصف دون توقف في غزة بالرعب الشديد. ومع ذلك، وعلى الرغم من الغرض المقصود من استراتيجية الصدمة والرعب، قرر بعض الأفراد والمجموعات، في بروكلين أو في برشلونة، أن يتحركوا بعدما رأوا، فهتفوا "أوقفوا إطلاق النار الآن" أو "ليس باسمنا". هل يرى هؤلاء الأشخاص العالم بحرية أكبر ويتخيلون، وبذلك يغيرونه (على الأقل بالمعنى السياسي، "ما يهم حقًا في الحرب الحديثة هو النتيجة السياسية")؟

ن.م.: إنه سؤال عظيم. عندما يحتجّ الناس هنا فإنهم يصرخون "شوارع من؟ شوارعنا." وهم يفعلون ذلك على نقيضي الطيف السياسي. قال ديفيد هارفي إننا بحاجة إلى النضال بحماسة لاكتساب "حقّنا بالمدينة". ومن له الحق بالمدينة؟ هذا ما تفعله هذه الحركات الشعبية التي ترونها الآن في بروكلين وتنشط وتحتج من أجل فلسطين. وهو تراكم لعمل بدأ منذ أكثر من عقد من الزمن مع بدايات حركة "احتلوا وول ستريت" التي كانت مرة أخرى بمثابة المطالبة باستعادة المدينة. ومن خلال كوننا مرئيين، أرسينا سردية مضادة. وإحدى مقولات النيوليبرالية على وجه الخصوص كانت تعبّر عنها مارغريت تاتشر بالقول: “لا يوجد بديل”. ومرّت أوقات في بريطانيا، بعدما ألحقت تاتشر الهزيمة باتحاد عمال المناجم، كان يشعر فيها المرء أن هذه المقولة ربما كانت صحيحًة، وأن لا بديل حقّا. وكان خطاب اليمينيين يدور دائمًا حول الكوارث، والنكبات. وكانوا يرددون صدى النكبة، ليس عمدًا بالطبع، إنما لشعور بأن تلك الخطابات أخذت تصب في نفس المكان الآن. ويتعذّر على هؤلاء تصوّر دولة أو مجتمع ليس مستعمرة استيطانية. كان بعض الأشخاص الذين نُقلوا إلى المستشفيات خلال جائحة كوفيد في 2020 على استعداد، إلى حد بعيد، لإنكار إصابتهم بالفيروس لأنهم يؤمنون بأنها خدعة. ثم قتلهم المرض نتيجة رفضهم تلقي العلاج. والأمر مشابه بالنسبة إلى نوع معين من المستوطنين البيض، يهمّهم دائمًا أن يظلوا مستعمرين استيطانيين بيض أكثر من أي شيء آخر، بما في ذلك حياتهم. وقد تمكن هؤلاء الأشخاص من الاستفادة من موجة الغضب والكراهية التي بدت بلا نهاية. ولكن هناك نهاية لكل شيء.

9- يقول فانون: "... لأنه إذا أعلِنت المساواة بين الرجال باسم الذكاء والفلسفة (صفات ومجالات احتكرت الحضارة الغربية ملكيتها منذ زمن طويل)، فصحيح أيضاً أن هذه المفاهيم استُخدمت من أجل تبرير إبادة الإنسان." لقد وفّرت استراتيجية "دمج" المراسلين مع الوحدات العسكرية وسيلة جذب جمهور التلفزيون الأميركي من خلال الصور الحيّة، حتى عندما لم يكن هناك سوى القليل مما يمكن رؤيته. وفي مواجهة هذا النوع من السرد البصري، من الضروري أن نبدأ برفض ادعاء الشفافية في تقريب المسافة بين موقع المُشاهد وأرض المعركة. في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، اصطحب الجيش الإسرائيلي مجموعة من الصحافيين الدوليين إلى كيبوتس كفار عزة. وأدت الزيارة الميدانية إلى انتشار عنوان "40 طفلاً مقطوع الرأس" على الصفحات الرئيسية لوسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم (لم يتم تأكيد هذا الادعاء بعد، وتم التراجع عنه عدة مرات من قبل المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين ووسائل الإعلام). إلى أي مدى يساهم وجود المراسل الغربي المعولَم، وكذلك تغطيته اللاحقة لـ "ما حدث" و "ما رآه"، في تبرير القصف والحصار المستمرّين على غزة؟

ن.م.: أما هذا السؤال فله مستويات عدّة أريد أن أكشفها لأنها مهمة للغاية. علينا أولاً التفكير في تأثير العنف وتشبّعه طوال الـ 500 عام الماضية. لكن بعض أنواع العنف تكون أكثر إثارة ووضوحاً من أنواع عنف أخرى. هناك كتاب بعنوان "الرأسمالية الدموية" (Gore Capitalism) يحمل فكرة أن الرأسمالية تستحوذ على الدم والعرق دائمًا. وتستحضر مؤلفته المكسيكية ساياك فالنسيا هذه الفكرة من مناجم الألماس في الكونغو، والعنف على حدود الولايات المتحدة والمكسيك، والخسائر الفادحة في الأرواح التي تحدث من خلال ترويج المخدرات. ولا يعني ذلك أننا لم نكن أبدًا في سياق عنيف. العنف هو أمر ثابت يومي. لكن يبدو أن بعض لحظاته "تتملّكنا". لقد اعتدنا أن نفكر بأن وسائل الإعلام العالمية متنوعة جداً، ولكن هناك عدد محدود جدًا من شركات الإعلام في جميع أنحاء العالم: News Corp، ومنصات التواصل الاجتماعي التي تحتكرها بضع شركات (Meta وX وAmazon وGoogle). عدد قليل جدا. لذا فإن إحدى المفارقات هنا هي أن التحليل القديم الذي أجراه مايكل هاردت وأنطونيو نيغري حول "الإمبراطورية" (Empire) هو أن ثمة مؤامرة لأن التأثير نفسه يتم إنتاجه في كل مكان. إنها ليست مؤامرة فعلية بمعنى أن قادة ذلك العدد الضئيل من الشركات الإعلامية يجلسون ويعقدون اجتماعات سرية. ولكن نظرًا إلى أنهم أشخاص متشابهون جدًا، ولأن اهتماماتهم متشابهة جدًا ولأنهم يعتمدون على نفس فلسفة استخراج القيمة، فمن المنطقي بالنسبة لهم أن يتوصلوا إلى نفس القرار. لذا، نعم، لقد شهدنا انتشارًا هائلاً لهذا العنف عبر الإنترنت، ولكن ماذا عن هذه العناوين الرئيسية للأطفال المزعومين مقطوعي الرأس؟ لقد رأينا العديد من القصص المماثلة من قبل في حرب العراق عندما اتُهم العراق بإخراج الأطفال من الحاضنات... وهذا بالضبط نفس نوع القصص مرة أخرى. أحد الأمور التي أعتقد أنه كان علينا أن نفهمها كنقاد، وأيضًا كبشر، هو الطريقة التي توصلنا بها على مدار الـ 75 عامًا الماضية إلى التطبيع مع مشاهد القنابل التي تسقط. عندما نتقبّل رؤية قنبلة، يمكن لنا أن نشاهد انفجار قنبلة نووية.

أتذكر عام 1991 عندما وقعت حرب الخليج. أتذكر الفيلم الأول الذي شاهدناه حول ما يسمى بالقنابل الذكية. هذه هي الأسلحة التي تستهدف العدو المفترض. اكتشفنا لاحقًا أنها لم تكن أكثر دقة من القنابل التي يتم رميها من بطن الطائرة. وبدا في ذلك الوقت أن تلك الأسلحة كان لها شكل من أشكال الذكاء الذي يخوّلها أن تطير بنفسها. وترى لحظة التأثير هذه عندما يتوقف الفيلم فجأة عند بلوغ القنبلة هدفها: نرى شاشة فارغة. وهذا ما جعل الأمر واضحًا جدًا للناس بطريقة أو بأخرى. وهذا من شأنه، كما وصفتُ، أن يسبب صدمة هائلة لدى الناس عند حدوثه. كان لدي زميل مؤرخ لعلوم القرن السابع عشر، بقي مستيقظًا طوال الليل يشاهد مقاطع فيديو عن حرب الخليج، وها نحن الآن بعد مرور حوالى 30 عامًا، أصبح خلالها مشهد القنابل الموجّهة شيئًا يوميًا معتادًا. لقد أصبح طبيعياً.

رأيت أيضًا على سبيل المثال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصف رؤية بعض مقاطع الفيديو لمقاتلين مزعومين من حماس يدخلون أحد الكيبوتسات ويطلقون النار على بعض الأشخاص ثم يأخذون شيئًا ما من الثلاجة وبطريقة ما كان هذا "لا يمكن تصوره" بالنسبة لبلينكن.

وما أعتقد أننا بدأنا نختبره وما رأيناه في العراق وأفغانستان هو أنه يمكنك التحكم في هذا النوع من لحظات الصدمة ونشرها لمدة أسبوع، وربما حتى أشهر. ولكن مع مرور الوقت، فإنك ستفشل. وقد فشل ذلك لأن البشر الآخرين بدأوا في التحرك لسرد قصصهم والإبلاغ عما رأوه ووصف ما التقطته أعينهم.

الآن هناك مسيرات واحتجاجات. الهدف من تلك المسيرات في نهاية المطاف ليس إقناع الطرف الآخر، بل إظهار أن "الخوارج" عن "الإمبراطورية" ما زالوا موجودين، وأننا لم نرحل. وهذا أمر مهم جداً. قبل حرب العراق عام 2003، تظاهر ملايين الأشخاص في نيويورك ولندن، ولم يتمكنوا من إيقاف الحرب. ولكن في وقت لاحق عندما أصبح من الواضح أن الحرب كانت من أجل لا شيء، وأنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، تذكّرَ الناس، نظروا إلى الوراء واكتشفوا كذبة "أن أحدا لم يكن يعلم".

كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة

لمزيد من التفاصيل أنقر هنا
Patreon support button