"انا حسّيتْ مع موضوع أمُومْتي شخصيًا، إني أبقى أم، إنّ في حاجَة جاتْ وأعادت تشكيل كل الأجزاء دي... في حاجة "عنيفة" هزّتني مش بشكل حلو ولا وحش، يعني بَوْصِفْ بَسْ، بحيث ان إنتَ فعلاً تِسألْ مِنْ تاني، هوَّ انا مين؟ هوَّ في إيهْ؟" [1]- إيمان مرسال
تبدأ عملية التهشيم عند إيمان مرسال في خطابها وتواصلها الشفهيّ قبل كتاباتها. وفي لغتها اليومية التي مارستها خلال هذه المقابلة، يتبلور انتقاؤها الدقيق للكلمات الذي تمارسه بِلا عناء: إنه الإحساس الفطري والوعي العميق الذي يتشابك مع المتن العام ويفكّكه. إيمان مرسال، شاعرة وكاتبة وأكاديمية ومترجمة مصرية، تحاكي كتاباتها عمليات تفكيك السردية العامة، رغم كونها تجارب شخصية. يكمن محتوى هذه المقابلة، ترافقًا مع ثيمة هذا العدد من "رحلة"، في هذه النقطة بالذات: قطع الوصل مع السرديات العامة والاعتراف بالحقائق الفردية من خلال اعتبارها انطولوجية مكبوتة تريد أن تبصر النور عبر عمليات خلق متتالية؛ خلق "يمكن أن يزحزح السرديّات القديمة وتركيباتها اللغوية الموروثة ولو قليلاً". وتتجلّى هذه النقطة بالمواضيع التي تختارها مرسال في كتاباتها، إلا انها تتجلّى أيضا في انتقاء كلماتها وحَبْك لغتها بخاصيّة فريدة؛ فـ "كل مشروع كتابة هو مشروع قديم بالضرورة، لأنه يعود إلى الشرخ الأول الذي نحمله بداخلنا".
إعادة تركيب اللغة / "هناك شاعرة زَي إيمان مرسال عايزة تِكْتِب المناطق المُعتِمة عندها في اللغة العربية! That's all"[2]
في محاضرتك تحت عنوان "تأمّلات في لغة الطعام" تقتبسين مشاهد من رواية للأطفال، لتسردي قصة الطفل الذي رأى كشكًا فيه صندوق مليء بحروف الأبجدية فراح يقضم بعضها. ويتّضح للطفل أن طعم الحروف يختلف من حرف لآخر. ويقول صاحب الكشك للطفل: "هذه الحروف من أجل من يحبون خلق كلماتهم. يمكنك ان تختار اي تشكيلة تعجبك". هل تعتقدين ان هذه الصورة تُعتبر تفكيكًا للتركيبات اللغوية الموروثة، وبالتالي للسّرديّات القديمة؟ وبخاصة أن الشخصية في الرواية هي طفل، وقد لا يكون ورث بعد سرديات عمّن سبقوه؟
ما تشيرين إليه في المحاضرة كان تناولي مشهدًا من رواية The Phantom Tollbooth (شبح كشك الجِباية) لنورتن جاستَر [معمار وكاتب أميركي]، حيث يأكل الطفل ميلو حروفًا ويكتشف تفرّد طعم كل حرف واختلافه عن الحروف الأخرى. هذه العلاقة الخياليّة باللغة التي تتضمن تذوّق كل حرف ومضغه وبلعه واحتوائه داخل الجسد الحي هي ما استوقفني. وأعتقد أن مَن يستطيع القيام بهذا لا يمكن إلا أن يكون طفلًا، وأن الكتابة تشترك مع الطفولة في علاقة مضطربة وغير مستقرّة باللغة. وكما أن الأطفال لا يقصدون تفكيك السرديّات القديمة التي قد لا يدركون وجودها، كذلك على الكتَاب أن لا يجعلوا من هذا التفكيك هدفًا لهم. فالكتّاب ببساطة "يحبون خلق كلماتهم"، هذا الخلق هو ما يمكن أن يزحزح السرديّات القديمة وتركيباتها اللغوية الموروثة ولو قليلاً. "خلق الكلمات في الكتابة" ليس له وصفة نتبعها، إنه نتاج أشياء كثيرة ومنها أحيانًا الصُدف الطيب منها كما السيئ. أو كما قال صاحب الكشك لميلو "معظم الناس كسالى لدرجة أنهم لا يخلقون كلمات خاصة بهم".
تقولين في كتابك "كيف تلتئم: عن الأمومة و اشباحها" التالي: "لحظة ولادة شخص جديد تتطلب موت كائن آخر، موت السابق شرط لا غنى عنه لكي يحصل الجديد على مجال لحياته، كما يرى جورج باتاي".
هل من الممكن إسقاط المفهوم نفسه على اللغة؟ وكيف تنظرين إلى عملية تفكيك اللغة وإعادة تركيبها كمدخل إلى حريات ثقافية فردية وجماعية جديدة؟
يجب أن نراجع مقولات تفكيك اللغة أو هدمها أو إعادة بنائها في الثقافة العربيّة الحديثة. في دراستي عن تجربة أدونيس، لاحظتُ مثلًا أن خطابه عن "هدم اللغة" هو في معظمه ألعاب مكررة للمفاضلة بين اللغة القرآنية واللغة الصوفيّة، ومواجهة لغة الفقه بالتهويمات العرفانيّة، وخلط تفضيلاته بما يظنه هو لغةً سورياليّة. هناك تجارب شعريّة أخرى انشغلت بنبوّة جماليّة فأنتجت قصائد غامضة يصعب التواصل معها. هل هذا بهدمٍ؟ وهل هناك كاتب يدخل إلى الكتابة بهدف هدم اللغة؟ أعتقد أن مجرّد تعبيرنا عن أنفسنا بطريقة أصيلة في لغتنا الأم هو مسألة معقدة للغاية. لا أستطيع تخيل كاتب يجلس أمام ورقة بيضاء لأنه يريد تفكيك اللغة أو تجديدها أو قتلها. علاقة الكاتب بلغته معقّدة لأنها أولًا لغته التي يظن أنه يملكها، وثانيًا لأنه من المستحيل امتلاكها فهي ليست لغته وحده بل يشترك في استخدامها والتواصل عبرها مع آخرين. كيف إذن يُسكن الكاتب هذه اللغة المَشاع نيّته ونبرته وخياله وينجح في نفس الوقت في التواصل مع الآخرين؟ ربما يكون ذلك ما يجعل الكتابة أكثر النشاطات الإنسانيّة توترًا وجمالًا بالنسبة إليّ. والأكثر واقعية أن نتخيل طموح الكاتب وكأنه قدرته على الإمساك بلحظة، بمشهد، بفكرة لا يمكن تطويرها إلا عبر الكتابة نفسها. هذا الكاتب قد ينجح ولو قليلًا في زحزحة كيتش ما أو صنم ما يخص اللغة الأم في جاهزيتها أو ذكوريّتها أو حتى في علاقات مفرداتها المستقرة بعضها ببعض.
كيف يبدو لك إنتاجك الأدبي من خارج وطنك الأم، وهل هناك قطع وصل عند كتابتك بلغةٍ لا تُستَخدم في حياتِك اليومية؟
ذات مرة، كنت في مكتبي في الجامعة مستغرقةً في الكتابة بالعربية، عندما جاءت إلى بابي إحدى طالباتي. أغلقتُ النوت بوك بذعر ووضعته تحت كتاب أمامي. لقد أدهشني ردّ فعلي وكأنني خجلتُ مما كنت أقوم به. ولكني أعتقد أن الأمر لا يخص اللغة، إنه يخص فعل الكتابة كنشاط فرديّ وسريّ ومعزول. كان يمكن أن أقوم برد الفعل ذاته لو كان مكتبي في جامعة عربية ودخلت عليّ طالبة عربيّة. منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن يزداد عدد الكتّاب الذين يكتبون بلغتهم الأم رغم عيشهم في بيئات لغويّة أخرى. وبقدر ما يبدو الأمر وكأنه نوع من الفصام اللغوي، هو لا يخلو في الحقيقة من تقاطع وفوضى وثراء. أحيانًا، أشعر بحلول تركيب لغوي "أجنبي" في نص ما رغم أنني كتبته بلغتي الأم، بمعنى أن كلمة أجنبيّة ما أو أن مجالها الدلالي حلّ في لغتي ففتح إمكانية جديدة في المشهد. وما أصفه شبيه بتقاطع لغتنا العاميّة أحيانًا مع العربية الفصحى التي نكتب بها، لا شك أن كلمة أو تعبير عامّي قد يكون ملهِمًا ومولِّدًا لعبارات أخرى في قصيدة فصحى. ورغم ذلك، أظن أن تفاوض الكاتب مع اللغة الأجنبية يكون من أجل الدقة، من أجل أن يضع فيها أفكاره، بينما يبدو التفاوض مع اللغة الأم وجوديًّا، وطموح الكاتب ليس الدقة وحسب، بل أيضًا خلق شخصية وذاكرة للنص عبر اختياراته اللغوية.
انقطاع الحبل السرّي
تقول المحللة النفسية والكاتبة جوليا كريستيفا إن الامومة ليست بوظيفة (كالأبوّة)، بل هي، وبالتأكيد، شغف. يترفّع الشغف أحيانًا عن مفهوم الزمنية فيسقط مفهوم القديم/الجديد، ليعود ويمحور نفسه كالأقدَم، والأخلَد. وفي المقابل، ذكرتِ في مقابلة لك في وصفٍ لكتابك عن الامومة وأشباحها، كيف نلتئم التالي: "هو الحقيقة، يعني، أنا حاسّه انو هوَّ كتاب قديم جُوّايا". هل يفسّر مفهوم الأمومة/الشغف لكريستيفا إحساسك بقِدم كتابك؟
شكراً على هذا السؤال، لم أفكر في جملة كريستيفا من قبل ولكنها تبدو لي مثيرة للغاية. عندما قلتُ "أنا حاسّة إنه كتاب قديم جُوّايا" كنت أقصد ببساطة الأثر المبكر لأول صدمة في حياتي بموت الأم، وأن بعض الأسئلة والحالات في كتابي تشكلت على مدى عقود منذ تلك التروما. قد يكون هناك مدخلٌ آخر لتأثير أفكار كريستيفا في ما أصفه هنا، مثلًا ربطها في كتابها "شمس سوداء" بين ما تسميه الصدمات المبكرة وتأثير ذلك على تفكير الفرد ولغته وتمثيلاتهما. وفي تجربتي، هناك شرخ موت الأم، ولكن كتابته لم تكن ممكنة إلا بحدوث شرخ آخر وهو "الولادة". كان يجب أن أكون أمًّا اولًا حتى أرى الأمومة من الناحيتين. وكما قلت في الكتاب، يعيش كل منا بشرخ شخصيّ، كل منا يحلم بالالتئام، هناك من يبحث عن الالتئام عبر الدين أو العلم أو الإيديولوجيا، هناك من يريد الفهم عبر الكتابة. بهذا المعنى كل مشروع كتابة هو مشروع قديم بالضرورة، لأنه يعود إلى الشرخ الأول الذي نحمله بداخلنا.
يقول البعض عن الأنظمة الديكتاتورية إنها أنظمة أبوية. هل ترين أن الانظمة الأموميّة (إن صحّ التعبير) ضمن مجتمعاتنا وعائلاتنا يمكن أن تكون إلى حدّ كبير ذكوريّة ومهَيمنة على مسار الأولاد؟ وهل نحن بحاجة لقطع الحبل السرّي مع الآباء والأمهات سواسية للتحرّر تدريجيًّا، بدءًا من العيّنة المجهرية (العائلة) ووصولًا إلى مستوى المجتمع (النظام)؟
غالبًا ما يتم نقد الأنظمة الأبويّة ومسألة الجندر في البلدان الإسلامية من زاوية سلطة الدين على المجتمع ومؤسساته وحسب. لكن التفكير في تشابه البنية السياسيّة للأنظمة الديكتاتوريّة مع البنية الاجتماعية للأنظمة الأبويّة يؤكد ارتباط كل منهما بالآخر. ويجب أن نتذكر أن تكريس النظام الأبوي كبنية اجتماعية تُحدّد الأدوار بناءً على الجنس، يتم عبر القانون والتعليم والإعلام وقوى العمل وغير ذلك مما تقوم الدولة بتشريعه وتبنّيه وتعميمه. وفي حالات كثيرة تقدم الديكتاتورية أيضًا تصورًا مزيّفًا عن الهويّة وكأنها عادات وتقاليد وتصورات أخلاقية عن المرأة أو الشرف أو شكل الأسرة أو سلوك المواطنين في الفضاء العام. يمكن أن نرى مثالاً على ذلك في قضايا اعتقال فتيات الـ "تيك توك" في مصر بحجة "حماية أخلاق الطبقة الوسطى".
لا يتكرّس النظام الأبوي على أيدي الرجال فقط، بل على أيدي الرجال والنساء، الآباء والأمهات. وبهذا المعنى، لا تنفصل الأنظمة الأموميّة عن هذا السياق بل تبرّر به وجودها وتقيم في داخله. دور الأم في مجتمعاتنا لا يمكن إلا أن يكون ملحقًا بالنظام الأبوي وداعمًا له؛ كثيرًا ما تفرض الأم ما يُمليه عليها النظام الأبوي عبر الحبّ والحنان، بل وعبر كونها هي نفسها ضحيّة ذلك النظام. هكذا يمكن أن نقرأ بيت حافظ إبراهيم الشهير "الأُم مدرسة إذا أعددتها / أعددت شعبًا طيب الأعراق" على أنه تعبير مباشر ومعبّر عن الإملاء: الأم أداة تفعيل شروط النظام الأبوي أو هذا ما يُتوَقع منها عادة.
إعادة تركيب الحاضر
نشرتِ مؤخّرًا كتابًا عنوانه "في أثر عنايات الزيات". أين يتموضع هذا الكتاب في فضاء الأرشفة، هل يختلف مساره عن التوثيق الكلاسيكيّ؟ وهل انتقاء أحداث معيّنة بهدف إعادة إنتاج السرّد يقطع الصّلة مع الماضي أو يعيد إنتاجه؟
دعيني أبدأ من الجملة الأخيرة في سؤالك أعتقد أن "إعادة إنتاج السرد من أجل قطع الصّلة مع الماضي أو إعادة إنتاجه"، هي إحدى كوارث الثقافة العربيّة الحديثة، وخصوصًا بعد هزيمة ١٩٦٧. أقصد هنا محاولات كثيرة لتثوير التراث، لاستلهامه، وجعله صالحًا للحداثة، أو للمرحلة القومية الناهضة، أو للاشتراكية. وهي محاولات شغلت مكانًا أساسيًا مع صدور الكتب الأساسية لأدونيس وطيب تيزيني وحسين مروة، في السبعينيّات. بدت العودة إلى الماضي وكأنها تكئة لإنشاء مشاريع ثقافيّة تضاهي المشاريع السياسيّة الكبرى مثل مشروع جمال عبد الناصر في مصر. ورغم أن هذه المشاريع أحضرت بعض عناصر التراث العربي للقراءة، فشلت في قراءتها؛ والذين قاموا بها بحثوا في الماضي / في التراث من أجل فرض صورتهم عليه. ولا أتمنى أن يكون هذا هو طموح كتابي في أثر عنايات الزيّات.
لم يمثل الأرشيف أي سؤال بالنسبة لي عندما بدأت في رحلة البحث عن عنايات الزيّات، فما حدث هو أن غياب الأرشيف كان يفاجئني مع كل سؤال جديد في هذه الرحلة. هناك على سبيل المثال ملفّات في الأرشيف تُرسَل إلى جهة تسمّى "الهالك" لكي تُتْلف في حال لم يبحث عنها أحد.
عفوًا للمقاطعة. "هالك؟ هناك مبيد لمكافحة الحشرات العامة والزاحفة يُستخدم في لبنان وعلى ما أعتقد باسم "هالك". هل لديك علم بذلك؟
"إنتي بتهرَّجي!" لو عرفتُ بهذه القصة مسبقًا لألهمتني شيئاً في هذا الكتاب!
كنت أقول، راعني استبعاد عنايات الزيات من الأرشيف المؤسسي وطبيعة هذا الأرشيف الذي يحتاج نظامًا للانتقاء والاستبعاد والترتيب لكي يتكوّن، ونظامًا إضافيًّا لتدمير بعض أجزائه، لأن الخبراء يقللون من شأنها وأهمية مؤلفاتها، بذريعة أن أحدًا لا يطلب قراءتها. وعلى سبيل المثال، لا يمكن للباحث أن يعرف الآليات الداخلية للنشر في مؤسسات الدولة في الستينيات، وهناك صعوبات جمّة في الوصول إلى ما هو محفوظ بالفعل في ما يخص مستشفيات الطب النفسي أو قضايا الأحوال الشخصية. وراعني بنفس القدْر الاستهتار بالرجوع إلى الأرشيف، ما يجعل معلومة خاطئة مثل أن عنايات انتحرت في ١٩٦٧ يُعاد تكرارها من دون تدقيق. لقد حلمتُ بالطبع أن يكون هناك أرشيف شخصي لعنايات، لكن غياب هذا الأرشيف إثر حرق أسرتها معظمَ يومياتها وأوراقها جعلني أتساءل: ماذا يحدث للأرشيف الشخصي بعد موت صاحبه؟ وفي المقابلات التي أجريتها مع الممثلة نادية لطفي وبعض أفراد أسرة عنايات، انتبهت إلى أن ما يُقال لي عنها هو إعادة تأويل لحياة شخص انتحر منذ أكثر من خمسين عامًا، ما يُقال لي هو ما نجا في ذاكرة الأحياء بعد عقود من محاولات التعافي من تروما الموت.
قد تكون الإجابة على سؤالك في ما كتبه هيثم الورداني في قراءته كتابَ "في أثر عنايات الزيات": "كيف نرث جرح الماضي الذي نشأنا على ضفافه؟ كيف يمكننا أن نستبطن ذلك الجرح الذي لا يصيبنا بعد تشكّلنا لكننا نولد فيه مباشرة، ثم نبني ذواتنا حوله؟ ولهذا الجرح أسماء كثيرة، الذكورية مثلًا، أو الحداثة أو الرأسمالية. نولد في الجرح المفتوح ثم نتعلم شيئًا فشيئًا أن نغمض أعيننا ونبلّد حواسنا حتى لا نراه أو نشعر بألمه. وإذا حدث أن لمحناه نغضّ الطرف سريعًا حتى تسير الحياة، إذ كيف يمكننا أن نضطلع بهذه المهمة المستحيلة؟ كيف يمكننا أن نعيد التفكير في العطب الذي نحن صنيعته؟". أعتقد أن قراءة الماضي من أجل التفكير في العطب الذي نحن صنيعته هو الطاقة التي أنتجت هذا الكتاب.
تبدو كتابات إيمان مرسال كعمليات تفكيك متلاحقة ودائمة. وبين التفكيك والوصل موت وولادة: انقطاع للحبل السرّي وربطه مجددًا ونفي للموروث وإعادة إثباته وتأكيده. كيف ترين نفسك ككاتبة متجدّدة قافزة دوما بين سرديّات الماضي والحاضر؟ وما هي الثيمات التي لم تطرقي بابها بعد وتودّين تفكيكها ؟
كثيرًا ما أظن أني منشغلة بنفس الأسئلة منذ بدأ وعيي يتشكل في الكتابة. وما يحدث هو قدرة سؤال ما على فتح أرضية جديدة للاختبار وخلق لغته ونبرته من جديد. وبعد كل كتاب، عادة ما أتوقف فترة ليست قصيرة وينتابني الشك في معنى عملية الكتابة نفسها. ولكن لحسن الحظ، أجدني أتورّط في الكتابة مرة أخرى فأشعر وكأنه التورّط الأول في عملية ليست عندي خبرة سابقة بها.في هذه الأيّام، أعمل على نصّ عن الصداقة، لا يهمني في الحقيقة إن كان سيُفكك أي سرديّة عنها، فما أطمح إليه هو فقط أن أفهم "الصداقة" عبر كتابتها.
[1] ضمن لقاء "عصير الكتب". حاورها الروائي والكاتب بلال فضل للحديث عن كتابها "كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها" عام 2017
[2] ضمن هذه المقابلة التي أجرتها "رحلة"
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة