حاورهم: حرمون حمية، بول مخلوف
أتوا جميعاً من الضفة الرديفة، من ذلك المكان الفجّ الذي لا يعجب روّاد السهر والسفر والسيجار. أساساً هم أيضاً لا يروق لهم أولاد ال "هاي، كيفك، سافا؟" يدعونهم: البرجوازية المقيتة. ليست المعادلة نمطية إطلاقاً بل إيديولوجية بإمتياز. إنه العالم عندما تراه عن كثب، وهم على طريقة "ماركس" لم يماطلوا بتفسيره بل جهدوا إلى تغييره. بعضهم إنتمى إلى تنظيماتٍ سياسية "معارضة" ثم ما لبث أن فرّ منها سريعاً، "ناقصة ثوريةً" إستنتجوا. البعض الاُخر تلقف تراث أكثر التنظيمات اليسارية تطرفاً وحلم بإحيائها من جديد. لكن من له إرادة يعرف طريق من ينتظره جيداً. فإلتقوا وتنظموا. وعلى الفور شبكوا أيديهم وقطعوا وعداً:"إما الإشتراكية أو البربرية". وعندما حان موعد التنفيذ أطلقوا العنان لجموحهم وصدحوا: سنمضي إلى ما نريد، وطنٌ حر وشعبٌ سعيد. وحده عنادهم يملي عليهم قراراً. ليس بالضرورة أن يكون الواقع وحده واقعياً، للخيال مكان أيضاً وهم لا ينقصهم الإبداع أبداً ليسقطوا عالمهم الخاص أرضاً ووضعه على جغرافيا الواقع، بل يعلمون كيفية تحقيق ذلك ببراعة. راحوا يخبروننا عن الأبطال ومن سيّر التاريخ لأغراض إنسانية. وزعوا منشورات عن "علي شعيب"، بطل عملية "بنك أوف أميركا"، إعتصموا أمام السفارة الفرنسية تنديداً بحجزها لـ"جورج عبدلله"، إقتحموا جمعية المصارف إفترشوا الأرض وحجزوا من بداخلها.
إسمهم "الحركة الشبابية للتغيير"، مجموعة يسارية جذرية تهدف إلى قلب كل المعايير القائمة فقط للإنصاف. لأن من إستفاد عشوائياً لا بد من أن يدفع الثمن. يريدون تحقيق العدالة الإجتماعية لأنه من العار على الإنسانية أن يموت أحدهم جوعاً. يريدون التحرر الوطني لأن إسرائيل وحش لا ينام. مع "محمد حطيط" المسؤول عن التواصل في المجموعة، للإضاءة على المجموعة، كان لنا هذا اللقاء.
من بين المجموعات الموجودة منذ 17 تشرين الأول في ساحات الإعتصام يتضح للبعض أن "الحركة الشبابية للتغيير" أكثرهم ثورية ووضوح بما يخص خلفيتها الإيديولوجية. متى تأسست هذه الحركة وما ما هي أهدافها؟
لقد بدأ كل شيء عام 2015 مع إنفجار أزمة النفايات والتحركات الشعبية التي رافقتها. قمنا بإحتجاجات في الشارع مثل حملتا إغلاق مطمر الناعمة و"عكار منّا مزبلة". قررنا آنذاك أن العمل التنظيمي هو ضرورة ولا بد من خلق مجموعة تضم أفراداً يتشاركون نفس الرؤية مع خلفيات فكرية مشابهة. فأطلقنا تجمع أسميناه "شباب ضد النظام". هذا التجمع بلوَر نفسه مع الوقت وتطور بعد نقاشات عديدة مطوّلة بين الأفراد طالت شكل التنظيم، الإسم، الشعارات والوثيقة السياسية حتى رسينا على نتيجة نهائية. "الحركة الشبابية للتغيير" والتي تُعتبر إمتداداً لتجمع "شباب ضد النظام" وهدفها بإختصار: التحرر الوطني والعدالة الإجتماعية.
هل هنالك شروطاً معينة مطلوبة للإنتساب؟
ليس هنالك شروطاً للإنتساب -والذي يعتبر شأناً من أولوياتنا- بل هنالك مساراً معينا على الأفراد الجديدة المتحمسة الإلتزام بها. يجب الإشارة إلى أننا كمجموعة نتعامل مع الشباب بمرونة وودّية ونضُم من يبدي إستعداداً لمعرفتنا عن كثب إلى إحدى "غروبات الواتساب" الخاصة بنا. إننا نعقد لقاءات أسبوعية والذي يرى أننا كمجموعة نمثل تتطلعاته عليه أن يأتي إلى هذه الإجتماعات ومن ثم ندعوه إلى حضور جلسات حوار تنثقيفية نقوم بها تحمل عناوين من قبيل: تاريخ لبنان الحديث/ اليسار/ الديمقراطية/ الصراع الطبقي/الإسلام السياسي. إن الجدية والإلتزام الناتجة عن هذه الجلسات يحددان قبول إنتساب الفرد.
تعرّفون عن أنفسكم على صفحة "فايسبوك" أنكم تنتمون فكريّاً إلى التيار "الماركسي-اللينيني"، كيف تترجمون هذا الإنتماء ؟ وهل يمكن عكسه عمليّاً في الواقع اللبناني ؟
عندما أقرينا الوثيقة السياسية ونحن بصدد إنشاء "حركة الشباب للتغيير" أفصحنا بشكلٍ مباشر عن هويتنا: منظمة يسارية تقدمية. إننا نعتبر أن الجوهر الماركسي هو منهجنا النظري والتجربة اللينينية مرجعية لنا في الممارسة. نحن في المجموعة على يقين أن الماركسية التي كُتبت منذ 150 عام تستطيع مجابهة المتغيرات التاريخية كونها نظرية نقدية وعلمية وبالتالي نعلم أننا مسؤولين على تطوير هذا الفكر وشكل ممارسته ولو أن الجهود الموجودة في لبنان أو العالم العربي نادرة. إننا نؤمن بأن هذا الفكر يقدم حلولاً جذرية لمأساة الشعوب. ببساطة، إن إزدياد الفقر والمعاناة في لبنان تحديداً تظهر أن حقيقة الصراع ما إلا طبقي لذا لا حلّأ سوى تبني اليسار المتطرف خصوصاً أن كل محاولات الإصلاحية لم تكن سوى ترقيع ووسعت الهوة بين الطبقات. أما كيف يمكن نقله عمليا في واقعنا الحياتي فتبنينا لهذا الفكر إنعكست نتائجه في عملنا على مستويين، الأول في خطابنا بحيث طرحنا للمطالب راديكاليا للغاية رغم أننا نعلم أنه من غير الممكن تحقيق هذه المطالب موضوعيا بالكامل إنما لنحصل على ما هو ممكن، يمكنني أن أضرب لك مثلاً: عندما نقول في خطابنا نريد تأميم المصرف نعني أنه يجب على المصارف أن تدفع ثمن الإنهيار الذي نعيشه نظراً لما حققته من أرباح طائلة. أما المستوى الثاني فهو داخلي، أعني العمل الدؤوب لتأجيج الصراع الطبقي والتصويب الممنهج لتوجيه بوصلة الصراع.
"ماركسيون-لينينيون" يعني تنظرون إلى المجتمع ودينامكيته كطبقات متصارعة دوماً. هل تعتبرون أن المجتمع اللبناني مقسّم إلى طبقات ؟ وما هي خصائص هذه الطبقات؟
بالتأكيد، إن المجتمع اللبناني طبقي بإمتياز. لم تعد معايير التقسيم الطبقي نفسها التي كانت عليه عندما تكلم عنها "كارل ماركس" منذ 170 عاماً كون شكل الصراع تغيّر وذلك مرتبط بتغير شكل رأس المال والتطورات الإقتصادية التي تبدلت وتغيّر القوى المسيطرة أو المهيمنة. كما ذكرت لك سابقا إننا في لبنان والعالم العربي نعاني من قصور نظري بما يخص تحديد الوجهات الجديدة التي فرضها التاريخ، لكن ما هو ثابت أن الإستغلال ومفهوم القيمة المضافة والجشع أللامحدود ما زالا باقيان ولو بشكلٍ مستتر أحياناًنظراً للرفاهية والإستهلاك المتوفران للجميع. صحيح أن الصراع الطبقي تغير شكله ولم يعد بين الصناعيين والعمال حصراً لكن جوهره موجوداً ، خذ جمعية المصارف وحاشيتها أو حزب الأغنياء، كما ندعوهم، أليست مصلحة هؤلاء متضاربة بالكامل عيشاً وثقافة ً وسلوكاً مع "شغالين" الحد الأدني للأجور في لبنان؟ ما هو مؤسف أن طبقة الأغنياء هم أكثر تنظيماً ووضوحاً (إلى حد الوقاحة أحياناً) من الطبقة المستغلِة التي يجب على الإتحاد العمالي العام أن يحميها ويمثلها أما واقع الحال فإن هذا الإتحاد مُصادر من قبل قوة السلطة منذ محاصرته عام 1996 والتنظيمات النقابية الأخرى التي يجب أن تلعب أيضاً دور الحماية والتمثيل غائبة تماماً. ما يحدث اليوم هو توكيد على جوهر الصراع، لقد وصل فقراء لبنان إلى حافة الإنفجار، وما نشهده هو صراع بين من يملكون كل شيء مع أولئك الذين لا يملكون شيئاً.
لنتحدث عما نشهده اليوم، عن وجه الصراع تحديداً، هل تضعون الحدث الاّني في لبنان بخانة الثورة؟
بصراحة لا، ونحن في المجموعة نرفض إستخدام كلمة ثورة في أدبياتنا ونصرّ على أنها إنتفاضة. للثورة شروط وقيادة مركزية واضحة بل حتى للثورة قوتها الذاتية التي تجهد إلى هدم القائم أي إسقاط النظام ليحل اخر مكانه. هذا المسار أو بالأحرى هذا الفضاء ليس متوفراً اليوم في لبنان وغير مطروحاًحالياً. ما هو مطلوب هو حصيلة من التغييرات والإصلاحات الجوهرية التي يطلبها الناس من هذا النظام بالذات مما يتعارض مع جوهر الثورة. لكن هذا لا ينفي أبداًوجود روح ثورية و"نًفَس ثوري" عند مجموعات كبيرة من الأفراد خصوصاً في أيام الإنتفاضة الأولى كما لا يلغي أبداً أي محاولة جدية للقيام بثورة حقيقية لاحقاً مع الوقت.
في الإنتفاضة الحالية مجموعات كثيرة من شتى الخلفيات. كيف يمكنكم أن تتوافقوا مع المجموعات الموجودة الأخرى، خصوصاً المنظمات الغير الحكومية الذين يرفعون أيضاً شعارات منددة بالسلطة؟ وماذا توظفون من أجل الإنتصار في هذه الإنتفاضة التي ترونها شكلاً من الصراع الطبقي؟
ضمن المجموعات الأخرى خاصة الـ NGOs الذين ينطلقون من خلفية ليبرالية والذين لا نتوافق وإياهم أبداً حول حقيقة الصراع وجوهره هنالك مجموعات أخرى تشاركنا الهم نفسه والخطة نفسها. نحن نرفع شعاراتنا الخاصة التي نؤمن بها والتي تميزنا عن الاَخرين، مثلاً شعار " سنعبر، بالكتلة الصلبة، سنعبر، بالعنف الثوري" والمقصود به حقيقة ً أننا سنعبر إلى واقع جديد. نوّع هذا الشعار يظهر التغيير الذي نتمناه بالشكل والمضمون. نحن نعلم أننا في إنتفاضة، والكل مدعوّ إليها ليعبّر عن سخطه ورفضه للنظام. علينا ك"مجموعة الشباب للتغيير" مهمات عديدة أبرزها "تثوير" الشارع وإظهار حقيقة الصراع الطبقي وأن نبني نواة صلبة تكون جاهزة وثابتة لأجل التغيير الشامل. أساساً إن التحركات التي قمنا بها تعتبر بطريقة ما تصعيدية، ثورية هو المصطلح الأدق، مثل وجودنا الدائم أمام مصرف لبنان واقتحامنا لجمعية المصارف. جاء هذا الإقتحام عشية الإستقلال ولم يكن هذا عبثياً بل لتكن الرسالة واضحة ولو رمزياً إذ إن الإستقلال الحقيقي اليوم يفترض التخلي عن حكم المصرف وإعادة حياة الناس واستفرارهم من رهنها لدى كبار المودعين.
ما هو تموضعكم إذاً من القوى الأخرى الموجودة بالإنتفاضة وما هي المعايير التي تبنون عليها إرتباطاتٍ وتحالفات؟
نحن نعلم أن القوى المعارضة المتواجدة اليوم في الساحات من خلفيات مختلفة وإننا على علاقة جيدة مع أغلبها رغم أننا نعتبر منظمة راديكالية. ربما الوضوح والصراحة هما العاملان المساعدان. بالمطلق، نحن على على إستعداد وإيجابية لمد اليد للحوار والتعاون مع الجميع رغم الإختلافات على شرط عدم وجود أي إرتباط مع السلطة أو أي قوى خارجية وأن نكون متفقين على أن من بين الحلول رفض الخصخصة وتحميل المصارف ثمن تجنب الإنهيار.
لقد ساهم حضوركم في الساحات في تقديم شعارات ترتكز على الصراع الطبقي ودور المصارف، كيف تقيمون أدائكم من ناحية تحريك الشارع خصوصاً أن مثل هذه الشعارات لطالما كانت خافتة؟
إنه الدور الذي نعمل عليه ونطمح أن نعززه مع الوقت. طرحنا شعار "للوطن، للعمال، يسقط رأس المال" كرفض موّجه بأسلوب فجّ ضد المصارف وأصدقاء "رياض سلامة" في الوطن الذين ساعدوه بتشريع قوانين سياسية تكرس مصلحة طبقة واحدة من الناس وهم الأقلية الحاكمة أو ما يعرف بالأوليغارشية. السياسات الإقتصادية التي صدرت واستمر العمل عليها منذ الطائف حتى الآن ساهمت بإعطاء ثروات البلد لشريحة واحدة من المجتمع وضربت كل ركائز الإقتصاد المنتج. هذه العقلية الإقتصادية هي أصل كل بلاء وتركت الشعب اللبناني عارياً بلا أي فرصة حقيقية للإنتاج أو العمل. معركتنا مع هذه الطبقة "الرابحة" من الوضع القائم والتي تستعمل أدوات مثل الريعية والفوائد لتجني أرباحا وهمية أي بلا أي إنتاج حقيقي بل بشكل يشبه إلى حد بعيد عمل المرابي تستدعي بالحد الأدنى فضحها إن كان عبر الشعارات أو الحلقات الحوارية أو حتى الكلام عنها. ما نراه جديداً وجيداً بشكلٍ لافتٍ اليوم هو أن هذه اللغة التي نستخدمها ما كانت مقبولة بشكلٍ كاف ٍفي إحتجاجات عام 2015 أما اليوم فتلقى ترحيباً واسعاً وتعتبر أساسية في التعبير المباشر عن واقع البلد عند الكثير من المتواجدين في الحراك، أفراداً ومجموعات.
هل تعتبرون أن المنتفضين اليوم تعامل مع ما يمكن أن يسمى "مرحلة ركوب الموجة" بطريقة سليمة؟
بالنسبة للركوب على الموجة ، لنكن واضحين فإن كل المجموعات والقوى والاحزاب المنظمة المشاركة بالانتفاضة لا تمثل مجتمعة اكثر من ١٠٪ من الناس التي شاركت بالانتفاضة. بناء عليه من الصعب على الانتفاضة التعامل بحزم ووضوح مع محاولات الركوب. لكن رغم ذلك بقيت بيانات ومطالب المجموعات موّحدة وواضحة بطلب حكومة انتقالية (اختلفت التسميات) واعادة الاموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين وانتخابات نيابية وفق قانون جديد. اعتقد ان الفرز الحقيقي يكون عند الذهاب الى آليات وقوانين المحاسبة واستعادة الاموال المنهوبة وهذا ما تتجنبه وتهرب منه كل قوى السلطة.
بناء على أحداثٍ كتلك، أي محاولات من بعض القوى المشبوهة لتسلق الإنتفاضة والإستفادة من نتائجها وإعتباراً من إيمانكم بضرورة العنف الثوري، هل تحقيق هذا العنف يتطلب مشاركة الجماهير مجتمعة ً أو يمكن أن يكون محدوداً ضمن مجموعاتٍ صغيرة منظمة؟
في البدء يجب توضيح أمر بالغ الأهمية وهو التمييز بين العنف الثوري والعنف الرجعي، إن السلطة السياسية عندما تشعر بالخطر على نفسها وأن مصالحها باتت مهددة بشكلٍ كامل سيستوجب عليها عندها أن تستعمل قوة القمع المفرطة لإنهاء كل محاولة تغيير حقيقية، فيكون عندها العنف الثوري ملجأ ً للمجابهة أو بالأحرى المواجهة الفعلية ليضمن تحقيق المشروع التغييري الجذري. لذلك يمكننا القول أن العنف الثوري الان ليس هدفاً.
كلمة أخيرة؟
الشعب يريد تأميم المصارف.
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة