بعد يوم طويل وممطر قضاه في وظيفته، خرج البير كامو مسرعاً من مكتبه ووقف على الرصيف بانتظار حافلة المساء. وبينما كان المطر يتساقط بقوة على جمجمته، فتح كامو الباب فجأة للامبالاة العالم اللطيفة. يصعد كامو إلى الحافلة ويجلس في الخلف، ويشعل سيجارة من نوع "غولواز أحمر" بولاعته الحمراء ويستمع إلى خطاب دونالد ترامب الذي يذاع على الراديو: "... في أقل من عامين، أنجزت إدارتي أكثر من أي إدارة في تاريخ بلادنا." على يمين كامو، تجلس فتاة شقراء تدعى بريجيت باردو، يدير كامو رأسه باتجاهها ويقول: "في كل مرة أسمع فيها خطابًا سياسيًا أشعر بالرعب لأنني لم أسمع، منذ سنوات، شيئًا يبدو وكأنه إنسان. إنها دائمًا الكلمات نفسها التي تطلق نفس الأكاذيب. وحقيقة أن الرجال يرضون بذلك، وأن غضب الناس لم يدمر هؤلاء المهرجين الفارغين، هو بالنسبة لي دليل على أن البشر لا يولون أهمية للطريقة التي يُحكَمون بها. أنهم يقامرون... نعم، يقامرون، بجزء كامل من حياتهم وما يسمى بمصالحهم الحيوية." أومأت بريجيت برأسها ولم تقل شيئًا.
بعد عشرين دقيقة، ترجّل كامو من الحافلة وتوجه إلى مقهى يُدعى "كُشري" للقاء إيما كلثوم على فنجان قهوة. جلست إيما بجانب النافذة محدقة في الخارج وهي تضع نظارتها الشمسية السوداء تعبيراً عن تقديرها لمطر نوفمبر. كانت تحتسي كوبHazelnut Latte وتدخن سيجارة رفيعة. أطلّ كامو، وسار باتجاهها وهو يفكّر بعبارة مميزة يفتتح بها الحديث بدلاً عن "مساء الخير"، فقال: "لا حب في الحياة من دون يأس من الحياة." نظرت إيما إلى كامو بعينيها الحزينتين وسألته: "وما الذي يجعلك تقول ذلك كامو؟" يجلس كامو، ويشعل سيجارة غولواز ثانية، ويقول: "العبث هو المفهوم الأساسي والحقيقة الأولى." ثم حدق في عيني إيما وقال لها "إيما، اليوم فتحت الباب للامبالاة العالم اللطيفة." ردت إيما: "أخبرني بعد يا كامو." يتنشّق كامو رائحة المطر ويمسك بيدي إيما ويقول لها: "خرجت من المكتب اليوم وأدركت أن بعض الناس يبذلون طاقة هائلة لمجرد أن يكونوا طبيعيين، نورمال. ما الذي قد يحصل إذا تركت وظيفتي في المكتب وقضيت بضع سنوات أعزف الترومبيت على الرصيف؟! ألا ترين أن الحياة النورمال دائمة التحوّل؟ وما يدهشني هو اشتياق الناس الدائم للعودة إلى النورمال. يمكنني أن أرفض كل هذا الجزء الذي يعيش نوستالجيا غامضة في داخلي، باستثناء تلك الرغبة في الاتحاد، هذا الشوق للحلّ، هذه الحاجة إلى الوضوح والتماسك. يمكنني دحض كل شيء في هذا العالم المحيط بي والذي يستفزني أو يغريني، ولكني لا أرفض هذه الفوضى العارمة - الفرصة الحقيقية والتكافؤ المقدّس - التي تنبع من الفوضوية. لا أعرف ما إذا كان لهذا العالم معنى أبعد منه. لكني أعلم أنني لا أعرف هذا المعنى وأنه من المستحيل بالنسبة لي أن أعرفه الآن. ماذا يمكن لمعنى خارج حالتي أن يعني لي؟ أستطيع أن أفهم فقط من منظار الإنسان."
استمعت إيما إلى كامو باهتمام وأجابت قائلة: "أعطني حريّتي أطلق يدياااا"، ثم أردفت: "إنتا فين والحب فين؟" فأجاب كامو على عجل وكأنه يتلو قصيدة: "بؤس هذا العالم وعظمته تكمن في أنه لا يقدم حقائق، بل مجرد أشياء للحب. العبث هو ملك، ولكن الحب قادر على إنقاذنا منه." ثم استعد كامو ليغادر وارتدى معطفه، وبينما كان يبتعد عن إيما استدار وقال لها: "طوبى للقلوب اللينة، فهي لن تنكسر أبدًا."
بوست فيلوسوفي
http://postphilosophy.com
https://www.instagram.com/post.philosophy
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة