قلُتها كثيرًا في السّابِقِ، في كواليسِ التّحريرِ المُغلقِة، وفي جلساتِ الهذرِ المفتوحةِ، وسأبوحُ بها الآنَ ولتدخُلْ غرفَ الأرشفةِ: أنا أكتبُ على درجةٍ مرتفعةٍ من الدّمِ الّذي يغلي من نبرةِ أصواتِ النّشازِ لمذيعاتِ نشراتِ الأخبار. أنا أكتبُ بما تبقّى لي من أعصابٍ لم تتلْفها نيرانُ السنواتِ الماضيةِ المشتعلةِ، من النَّفَسِ الباقي الّذي لم تسرقْه مانشيتاتُ العناوينِ اليوميّة. أكتبُ تحتَ تأثيِر كَذا ميلّيغرام من القطرانِ، والنّيكوتينِ، والكافيينِ وأتصبّبُ عرقًا من سمومٍ لا شفاءَ منها أقحمتُها طوعًا في جسدي لأقضيَ على سمِّ الضّجيجِ الّذي أحدثَه العالمُ بداخلي. كلُّ جملةٍ، وكلُّ كلمةٍ، وكلُّ فاصلةٍ، صادقةٍ عاجزةٍ عن التّخفّي، مثل الرّجفةِ الّتي تتحكّمُ قسريًّا باليد. أنا أقتلُ نفسي في كلِّ نصٍّ لضروراتٍ أدبيّةٍ، كممارسةٍ ثوريّةٍ ساحتُها الاحتجاجُ السّاخطُ على الأشياِء، والكلماتِ، والظّواهرِ، فلا داعي أن تستغربَ إن لم تجِدْ نصًّا شبيهًا بآخَر، لأنَّ الذّاتَ بعد كلِّ نهايةٍ، تستغيثُ شيئًا طارئًا: مَخرجًا؛ لا ينبعُ من التّطهُّرِ بقدرِ ما تحييه فكرةُ القيامةِ، وهذا شأنُ رمزيٌّ ولغويٌّ بحت.
وهكذا يا عزيزي، ولأنّني كنتُ مع باقي الشّلّةِ، أنتقدُ العودةَ إلى النّورمال، ها إنّي أكملُ ما باشرتُه سابقًا في كسري للقواعدِ، وأعودُ إلى الأصلِ، إلى البدايةِ، إلى الجذر؛ الكلمةُ، الاسمُ، إسمي. هالّو مان، عامًا سعيدًا! هل وضعتَ رقمَيْ عشرينَ وواحدًا وعشرينَ جنباً الى جنبٍ حتّى الآن؟ كيفك، كيف صحّتك، تَك تَك تَك؟ أدعى "پول كونتاك"، والاسمُ مُستقى من رئيسِ العصابةِ الّذي أوقفتْه شعبةُ قوى الأمنِ الدّاخليِّ مؤخّرًا "أبو علي كونتاك". قد يقول البعض "ولكن... أنت پول، التّلميذُ المُجتهدُ في الفلسفة! كيفَ لكَ أن تُمجّدَ "الغانغسترز"؟" حسناً، يا إلهي! كلُّ يومٍ هو بابٌ جديدٌ يمكنُكَ أن تعبر منه إن أردتَ، ثمَّ أنّني ومنذُ عام ٢٠١٠، في بحثٍ مستمرٍّ عن شخصيّةٍ تمارسُ الشّأنَ الأدبيَّ في الحيّزِ اليوميِّ بغلافٍ ثوريٍّ، ووجدتُه في المذكورِ أعلاه. هو قطعًا ليسَ بأديبٍ، ليس بثائرٍ، و لكنّه بارعٌ بممارسةِ مهمّةِ كليهما دونَ أن ينزلقَ إلى حربٍ موضوعُها ملتبس.
پول سينكال كونتاك
كلُّ الشّخصيّاتِ الواردةِ في هذا النّصِّ ليست من وحيِ الخيالِ، إنّما من نسيجِ الواقعِ، وهي حقيقيّة. وبناءً على المعلومةِ البَصَريّةِ المذكورةِ على مرآةِ السيارةِ "إنَّ الأشياءَ الّتي تراها هيَ أقربُ ممّا تبدو عليه في الحقيقِة"، فلنلقِ نظرةً كاثبةً، ابتداءً من هذا الواقعِ، باعتبارِه هذه المرآةَ، لأنَّ الحاضرَ ليسَ سوى صورةٍ كبيرةٍ عن ذاك الماضي.
"يسقطُ النّظامُ والمعارضةُ… تسقطُ الأمّةُ العربيّةُ والإسلاميّةُ… يسقُطُ مجلسُ الأمنِ… يسقطُ العالم… يسقطُ كلُّ شيء"- يافطةٌ من الرّبيعِ العربيّ.
وهكذا، فقد سقطَ كلُّ شيء. لم يكن للسّاحرِ "هوديني" أيُّ علاقةٍ بالأمرِ بتاتًا. لم تخرُجْ أرانبُ مُهتاجةٌ من قبّعاتٍ طويلةٍ سوداءَ إنكليزيّةٍ بل قنابلُ ذريّةٌ من تحتِ كلِّ لسان. من المستبعدِ أن يكونَ للمُعجزاتِ دورٌ في هذا السّقوطِ أيضًا، رغمَ زحمةِ رجالِ الأفيونِ وسمسرتِهم لمشاعِ الجنّةِ ووُعودِ اليوتوبيا. للمعجزةِ براءةُ تسجيلٍ، وحقُّ ملكيّةٍ، بطلٌ لا يتنصّلُ من المسؤوليّةِ، وهي أنيقةٌ تكرهُ أن تنجزَ مهمّتَها بينَ ركامِ القبورِ كي لا تَفقدَ هيبتَها. توقّفْ عن تقمّصِ دورِ "أغاثا كريستي" والبحثِ البوليسيِّ عن المذنبِ وعُدْ فورًا إلى القاعدةِ يا "كونتاك". حسنًا، قدْ تخالُ أنَّ الدّعوةَ الّتي حمَلَتْها تلكَ اليافطةُ، هيَ صناعةُ مجموعةٍ من الدّادائيّينَ المعاصرينِ الذين شطحوا في الفانتازيا وأرادوا قلبَ العالمِ رأسًا على عقبٍ، أن ينسفوا المقدّسَ، ومن بعدِها تهجئةُ مانيفستو مُضادّ يطيحُ بكلِّ موروثٍ! بااانغ… مُخطئ! كلُّ تلكَ الفصاحةِ كانت ممنوعةً من الصّرفِ في شروطِ البلاغةِ العربيّةِ لأنّها لم تعرف أن تشذَّ عن القاعدةِ وتجدَ وزنًا حُرًّا، أو استعارةً متفلّتةً تناسبُ أفقُها. هذه الخلخلةُ تحتاجُ الى نَفضِ غبارٍ عن الوعيِ، وليسَ حلّةً جديدةً - يا للّصدفةِ - كبدلةٍ عسكريّةٍ من خياطةِ النّاتو، وتشترطُ أفقًا ثوريًّا حالمًا لا يحتقرُ العالمَ على طرازِ الأنبياءِ الذينِ يَرْونَ الحياةَ وجودًا مدنّسًا. سَقطَ كلُّ شيءٍ ما عدا ما وجبَ أن يسقُط؛ صلابةُ الأشكالِ العموديّةِ، البكاءُ على الأطلالِ، والحنينُ العقيم. تَجذّرَ ما كان يجبُ أن يسقُط؛ الاستبداُد، العماءُ، خواءُ الأشكالِ المُسطّحةِ، وهيبةُ البَطشِ الّتي جعلتْ من الحياةِ لوثةً لا تطاقُ، تستدعي عمليّةً جراحيّةً استئصاليّةً طارئة. لأيديولوجيا الوجدانِ هذهِ، رأسُ هَرَمٍ، يعلمُ جيّدًا ماذا يجري، وهو سعيدٌ بالأمطارِ الحمضيّةِ الّتي تتساقطُ بغزارةٍ منذ أحدَ عشرَ عامًا، وهو كلّما مددْتَ إصبعَك نحوَه يقولُ "أووه هذه مؤامرة". إمبراطوريّةُ العنفِ نشأتْ على العلنِ دون خجلٍ، دونَ مواربةٍ في ذلك التّاريخِ، من تلكَ الأيديولوجيا، بلقبٍ مزوّرٍ، استنسخَتْ دورَ اللهِ وباتَتْ وصيّةً بالمطلقِ على كلِّ حركةٍ، على كلِّ حُكمٍ، وهي موجودةٌ بالقوّةِ في كلِّ مكانٍ، تُصدّرُ أحيانًا على شكلِ فيديو كليب، أحيانًا على شكلِ صلاةٍ، وأحيانًا مجاكرةً بنظامٍ استمدَّتْ صورتَها على مثالِهِ، على أنَّ غايتَها الأخيرةَ ضجيجٌ عبثيٌّ لا طائلةَ منهُ سوى السّقوطِ والدّمار. حوّلَتْ كلُّ أهازيجِ القتلِ وكلُّ الدّماءِ النّازفةِ إلى انتصارٍ على "شيءٍ"، يُترجَمُ مجازًا بلغةِ الدّادائيّةِ المزيّفةِ الغبيّةِ إلى ورودٍ وربيعٍ، فالجماهيرُ المقموعةُ الّتي أطلقتِ العنانَ لوجدانِها ليكونَ بوصلةَ تحرِّرُها لا يشفعُ بها شيءٌ أكثرُ من السّاديّةِ، وطريقُها نحوَ التّدميرِ الذّاتيِّ معبّدةٌ بالكاملِ من خيالٍ بُعدُهُ الأقصى هو الانتقام. أنظرْ حواليْكَ ولا تُناقشْ، وبالمناسبةِ، إنَّ فعلَ الأمرِ في زمنِ التّحولاتِ العاصفةِ يحتاجُ إلى إرادةٍ لا دعاء، لذا فإنَّ هذا الشّعارَ مثيرٌ للشّفقةِ يا "رفاق".
أردتُ أن تكونَ جملةُ "ماكبث" "ما حدثَ قد حدثَ" ثقيلةَ الوطأةِ، كأن تقومَ بقطيعةٍ تاريخيّةٍ مع الماضي، لكنَّ مسلسلَ الموتِ لم ينتهِ بعدُ، وصالاتُ التّعزيةِ لن تفتحَ أبوابَها قريبا. ما يجعلُ هذا الحاضرَ صورةً كبيرةً عن ذلك الماضي، هو الهوّةُ السّحيقةُ الّتي تتّسعُ باستمرارٍ بتزايدِ التّحديقِ بها، وتلعبُ دورَها بإتقانٍ بسحْبِ مجتمعٍ تلوَ الآخرِ نحوَ السّقوط. كلُّ ذلكَ بدأ عندما قرّرَ أحدُهم أن يُشعلَ نفسَه بعدَ أن استشاطَ غضبًا حدَّ الجنونِ من سلطةٍ حديديّةٍ تتنفّسُ رعبًا، تحكمُ بالصّمتِ وتؤمنُ بالخلود. لم يكن "محمد بو عزيزي" يعلمُ أنّ لهيبَ النّارَ الّتي التهمَتْ جسدَهُ ستطالُ منطقةً بحجمِ قارّة. ربّما كانَ يريدُ من هذا الحريقِ أن يكونَ بالفعلِ أصلَ العالمِ، محقّقًا بذلك نظريّةَ قدماءِ الإغريقِ، وهذا يعني بالطّبعِ أن يُنظرَ لدلالةِ فعلِه وليسَ إلى أسلوبِها، وإلا تحوّلَ هو بدورِه إلى رمزٍ عدميّ. لقد تركَ "بو عزيزي" وراءه شيئًا آخرَ غيرَ رمادِه، وهوَ قرارُه الذاتيُّ باختيارِ مصيرِه، وهو فعلٌ إراديٌّ محضٌ، لا يحمَّلُ أبعادًا مستقلّةً، لأنّ إنهاءَ الحياةِ في المجالِ السّياسيِّ لا يُعرَبُ بصيغةِ الانتحارِ، ولا يُزجُّ صاحبُها في خانةِ الضحايا، بل يشارُ إليه بأنّه ضحّى بنفسِه لأجلِ غيرِه، ليُشكّلَ موتُه عربونَ قيامةٍ، وهذا في معجمِ الثّوراتِ يكونُ أسمى مانيفستو وأعمقُها. لكنَّ الجماهيرَ نكثَتْ بالمعنى وتبّنت الأسلوبَ فتحوّلَ "بو عزيزي" الى مشهدٍ، إلى ذكرى دراميّةٍ تحيلُ الى العجزِ وتبعثُ على الكآبة. لكن لا تعتَلّْ، هنالك من يُبلّلُ النّفس. للنّخبِ وظائفُ وأدوارٌ، خصوصًا إذا كانت من أصلٍ رومنسيٍّ، فستجيدُ خلقَ أساطيرَ ببراعةٍ وتختزلُ الخطابَ بأحكامَ مبتذلةٍ، قاطعةً الطّريقَ أمامَ أيِّ رأيٍ لا يصبُّ وفقَ معاييرِها، لتمارسَ إرهابًا فكريًّا باسمِ الثّورةِ، كونَ دعامتِها الأساسيّةِ تكمنُ في الاستقطابِ الشّعوريِّ المنعزلِ عن أيِّ حسٍّ نقديٍّ، فكلُّ محاولاتُكَ المبذولةُ كي تجدَ معنىً في ظاهرةٍ القنابلِ واللِّحى الطّويلةِ والهزءِ من رفضِ الاستشراقِ لن تخرجِكَ من الخانةِ الّتي فُرضَتْ عليك: "أنتَ زنديقٌ، حقًّا زنديق".
كيف أمكنَ التّحدّثُ عن حدثٍ مماثلٍ دونَ ذكرِ "جوليان أسانج"؟ قدْ لا يهمُّ أحدًا، ما عدا المتطفّلينَ، مشاكلي مع حبيبتي وكيفَ انتهى بيَ الأمرُ مهزومًا خامدًا، عاجزًا عن النُّطقِ كأنّني مهاجرٌ بَلَعَني البحرُ، أو عن توّقفِ "رحلة" ماغازين عن الصّدورِ في ذلكَ العامِ وبرصيدِها خمسةُ أعدادٍ، لكنَّ "أسانج" هو عرّابُ تلكَ المرحلةِ، ورمزُها، ومُطلقُ الشّرارةِ الأولى في جسدِ حريّتها. تغييبُه هو إخلاصٌ وفيٌّ للعدمِ، جرعةٌ زائدةٌ من الإسفافِ الّتي يقدّمُها كلُّ مُتحدّثٍ عن ضرورةِ الإطاحةِ بهذا أو بذاكَ بينما "أسانج" في الزّنزانةٍ، يدفعُ من حريّتِه ثمنَ حرّياتٍ، هي في وضعِها الخامِ، مخطوفة. أراد "أسانج" تحييدَ شعوبٍ من طبقِ الموتِ اليوميِّ الّتي تحضِّرُه الحكومات. لكنَّك مجدّدًا، تَجدُ مثالًا صارخًا على إغفالِ دلالةٍ مُقدّسةٍ قامَ بها الأسترالي الشّائبُ، وهي تعريةُ الشّرِّ، بخطيئةٍ غير مغفورةٍ، هي السّقوطُ بنفسِ طبيعةِ الشّرِّ وممارستِه بفخرٍ وعنفوان. ليسَ في القتلِ البطيءِ الّذي يُمارَسُ على "جوليان أسانج" أو إهمالُه في الذّاكرةِ، سوى إشارةٍ فاضحةٍ على أنَّ من لا يفهمُ الحريّةَ لن ينادي بها لغيرِه.
طريقي للفهمِ يأتي من الظّواهرِ، من تتبّعي للانطباعِ وكيفيّةِ تلقّي حدسي لهذه الظّواهرِ، وهذا ما يأخذُني إلى استنتاجِ أنّ كلَّ هذا هو زخرفةٌ محبوكةُ الصُّنعِ، ماكرةٌ وخادعةٌ وحَصَلَتْ بالوكالةِ، هذا أنَّ الفردَ في ورطةٍ لكنَّ رفاهيةَ التّأويلِ الخاطئ للثّورةِ بخير. أقولُ التّالي: أنا عندما أكتبُ بصيغةِ المخاطبِ، يكون الهدفُ بتوجّهي إليكَ (إليكِ أُختاهُ) هو المحاكاةُ، والمشاركةُ، أو خَلْقُ علاقةٍ أملًا أن تكون نديّةً وتنتهي بأن نشربَ إكسبريسو في "مقهى كرم"، ويمكن أن أفشلَ وتراني رجلَ عصاباتٍ من ثمّّ تشتمني لاحقًا، رواق. كلُّ ما في الأمرِ أنّني أعترفُ بوجودِكَ، ولا ينتهي نصّي دونَ قراءةِ وتفاعلِ حضرتِكَ وإلا فلن يكتملَ المعنى. "بريخت" كان على علمٍ بهذا، وكان يعرفُ أنّ مشروعَ الثّورةِ يعني تحضيرَ الإنسانِ، لأنّ الغايةَ الأولى من الثّورةِ هي المرءُ وإلا سيحلُّ الغيبُ ويلقي بظلالِه ليستحيلَ التّعرّفُ على وجهةِ الطّريق. لذلك ربّما يجبُ خلقُ مصطلحٍ جديدٍ أو ربطُ الاسمِ بالفاعلِ: الإنسانُ ثائرًا، كونَ الثّوارِ باتوا كثرًا ويصعبُ التّفريقُ بينَهم والطريقُ معتمةٌ لا وجهةَ واضحةَ لها.
وها نحن هنا نتكلّمُ عمّا حدثَ دون أحكامٍ أو حذلقةٍ على الماضي منبعُها سلطةُ الحاضرِ، لأنّ الإمبراطوريّةَ ما زالت مُشيّدةً ولم تتفكّك. لكن هنالِكَ من لا يزالُ يرى إغراءً بهذا المشهدِ، ويحدّقُ طويلًا في هذه الهوّةِ السّحيقةِ الّتي تتّسِعُ شيئًا فشيئًا. قد يكونُ مردُّ هذا نسبةُ المشاهداتِ العاليةِ، أو مساعداتُ الأمم المتّحدةِ السّخخخخخيّةِ، أو لذّةُ قراءةِ القصصِ الصّحافيّةِ الّتي تَطالُ أحوالَ الفردِ المَعطوبِ الّذي ملأ الدّنيا عويلًا وملامةً دونَ أن يتبنّى مخرجًا طارئًا للقيامةِ أو أن يستعينَ بإرادتِهِ ليسحبَ نفسَه من صورةِ الشّيءِ إلى حقيقتِه. في إحدى صفوفِ التّمثيلِ الّتي كانت تعطيها "ستيلّا أدلر" لمدرسةِ الواقعيّةِ الجديدةِ طلبَتْ من تلاميِذها أن يتصرّفوا كالدّجاجِ عقبَ سقوطِ قنبلةٍ نوويّةٍ عليهم. هرعَ الجميعُ وتصرّفوا كدجاجاتٍ فقَدْت صوابَها نتيجةَ الهلعِ من الحدثِ المرتقبِ ما عدا "مارلون براندو" الّذي جلسَ وضعيّةَ القُرفصاءِ، كأنّه دجاجةٌ تبيض. عندما سُئلَ عن قرارِه المتمايزِ، جاوبَ ببساطةٍ:" أنا دجاجةٌ، ما الّذي أعرفُه حولَ سقوطِ القنابلِ؟" هنالك من يعرفُ القنابلَ ومصرٌّ على التّهافتِ عليها، وإذا ما نجا يركضُ ملهوفًا ليخبرَنا عن الموتِ مشيرًا بإصبعِهِ تجاهَ السّماءِ قائلًا "أنظر، من هنا تمطرُ قنابلا". لكن مهلًا، كن واقعيًّا قليلًا في التّمثيلِ لنستطيعَ على الأقلِّ أن نمارسَ التّطهُّرَ في هذه التّراجيديا، أعني لماذا اخترتَ الدّجاجةَ؟ لماذا تناسَيْتَ "براندو"؟
الصورة: رافيتي على جدار إسمنتي
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة