في 8 آب 2023، رحل الفنان سيكستو دياز رودريغيز، المغنّي والشاعر المولود في 10 تموز 1942 بعد رحلة طويلة من الخيبات والمفاجآت.
الابن السادس لأب من مهاجري الطبقة العاملة المكسيكيين وأم من السكان الأصليين توفيت عندما كان في السادسة من عمره، صدح صوته متأخراً لينقل صوراً ومشاهد من الحياة اليومية لسكان ضواحي ديترويت الأميركية. عاش حياةً متواضعة بلا هاتف أو سيّارة. وفي سنّ السبعين نال شهرة عالمية، ليعيد في آخر عقد من حياته إحياء حلم راوده قبل أربعة عقود. تميّزت أغانيه بتوصيف الواقع المظلم الذي عايشه بشكل مباشر منذ طفولته، مصحوباً بعزف الغيتار وإيقاعات الفولك روك، والسيكاديليك فولك.
سجلّ رودريغيز ألبومين إثنين في 1970 (Cold Fact) و1971 (Coming from reality)، ولكنه فشل في تحقيق نجاح في السوق وخسر عقده مع شركة الإنتاج. يتّفق النقّاد على أن خلطة خطرة من الحظ العسير وحسابات التجّار وربما العنصرية وضعت حداً لحلم رودريغيز الموسيقي في أوائل السبعينيات، فلم تعره أميركا انتباهها ولم تكترث لكلماته التي تصف الواقع من دون مواربة. أما في جنوب إفريقيا، فوجد جيل الشباب المناهض لنظام الأبارتهايد أناشيده في كاسيتات وأسطوانات رودريغيز التي كانت لا تزال تصنّع وتوزّع في القارة الأفريقية رغم حظرها من قبل نظام الرجل الأبيض وعودة رودريغيز إلى "حياته اليومية". إذ لم يكن معروفاً لرودريغيز أن ألبوماته التي "فشلت" في أميركا حوّلته إلى بطل في جنوب إفريقيا.
عندما سُئل عن ردة فعله عندما ألغت الشركة عقده وانتهت رحلته الموسيقية، قال رودريغيز أنه بكل بساطة "عاد إلى العمل"، أي إلى هويته الأساسية التي انطلق منها وبقي منتمياً إليها. وفي مقابلة صحفية أجريت معه في 2013، وصف رودريغيز نفسه بأنه ينتمي إلى "الطبقة العاملة"، فبقي يعمل حتى عام 1998 في مصانع ديترويت أو كعامل بناء أو في الردم والترميم، وكان يتقاضى مبالغ زهيدة مقابل عمله، ليقدّم إثباتاً إضافياً على واقعية قصائده وأغانيه المنحازة لقضايا الإنسان المهدور ورفض جمهوريات التجّار وعنف الشرطة والفقر المتفشي في مدن وضواحي أميركا.
حصد رودريغيز شهرة مماثلة في استراليا. المعجبون في جنوب أفريقيا تداولوا نظريات وتفسيرات عديدة حول اختفاء المغنّي الغامض. قيل أنه انتحر على خشبة المسرح خلال حفلة له في سبعينيات القرن الماضي، أو أن جرعة زائدة من المخدرات قتلته، فزادت الحاجة إلى أجوبة عن الفنان الذي بكل بساطة انعزل بعد أن جرّب "مصلحة الفن" وفَشِل… إلى أن تعقّبه معجبان من جنوب أفريقيا ووصلا إلى ديترويت في 1996، لتبدأ رحلة قيامته. وفي 1998، نظّم سلسلة حفلات ناجحة في جنوب إفريقيا، فغنى لآلاف المعجبين الذي لم يكن يعرف بوجودهم من قبل والذين لم يكونوا يعلمون أن الأسطورة لا تزال على قيد الحياة. في تلك السنة، وفي أول لقاء له مع جمهوره في جنوب أفريقيا، توجّه رودريغيز إليهم قائلاً: "شكراً لأنكم أبقيتموني على قيد الحياة".
ثم حصد نجاحاً مضاعفاً بعد عرض الفيلم الوثائقي "بحثاً عن المروّج" (Searching for sugar man)، الذي حاز على جائزة الأوسكار. قال مخرج الفيلم مالك بن جلّول - الذي أقدم على الإنتحار بعد أقل من عامين - أن شهرة رودريغيز في جنوب أفريقيا تعادل شهرة بوب ديلان والرولينغ ستونز والبيتلز.
من أغانيه: Rich folks hoax "حيلة الناس الأغنياء"، I wonder "أتسائل"، Crucify your mind "أصلُب عقلك"، Sugar man "بائع السكّر - أو المروّج".
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة