الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحنين
إلى نعي عبء الحلم برأسٍ كنت تَكْفل تفريغه ناكعًا عصب الرؤية بفضلات الصّور واﻷفكار، معاودًا التّنتيع بأحاسيس ومشاعر بحت لغويّة لتعبئة طاسة المخّ والتلذّذ بالغوص في جوهر الكلام الفاني والتّربيع على إيقاعات اﻷلم المتندّم على لحظات الحبّ العابر وأحاديثه الممشوقة بالنّدم لحدّ السّلطنة والوقوع في البنج العام لنحر الجنين المجرم على ميلوديا براءة خوازيق الحديد الشائك للحدود في الخوانيق، ثمّ تحديد للأصل والفصل بين الحدّ الفاصل لقضم العقل الفهيم وحلق الشعرة المفارقة ﻷختها في صالونات سوق التسويق لتهبيط الحدّ اﻷدنى للمعاش والدأب الدؤوب لتفليت الدببة في الكروم للٱنقضاض على فضلات الحدّ اﻷقصى للعيش الكريم على بخل الإعاشة أو في أحسن اﻷحوال الانتعاش من نشوة القتل المبرمج على أبواب أقسام الطوارئ لمستشفيات لا شاش فيها ولا إنعاش غير الاختناق بجوهرة الموت المجبولة بالرّحم المزبول بالحياة المجبورة بالترحّم على رصاصة الرحمة في عقر مصحات باطن التاريخ المجنون المبقور بالفاجر والمفجور، ثمّ بحشٌ في متأخّرات اﻷولويّات والدّفع بأوقات الحاضر المعقور بالعزلة لتسريع عملية الٱبتداء بالنهايات بدءًا بنظريات البادئ الأظلم للشروع في تطبيقات الانتهاء من البدايات على طريقة هرج ومرج الآتي اﻷعظم، وذلك طبعاً بغضّ النظر عن أزمنة تفشّي الفنون في استعراضات أدوار العيون العمياء عن أصغر التفاصيل وأكبر الشياطين، في إغراءات الشرابيك الجينية للمجازر الخوتاء الماحقة المارقة الفاسقة بِشَدّها للفُحْش الرّهيب مع أساطيل شخصيات الخوامير العاقلة وَبِغَصبِهَا على الرقص النوويّ الخرفان في براميل النفط والنفايات، ثم تفنيد لمراحل كيفيّات تقطيع أواصر الأمل ومراعاة وجوب التفنيص على الخالق المجبور بذبح المخلوق الحبيب لتصويره على صورته ومثاله، مثالاً للشهادة الحيّة المَوْتَاء، تمثالاً عظميًّا للسلام الدمويّ العتيد المُشرّف بتشابك جلد الأيادي المشرّحة ولحم التباويس الملفّقة، ملحمة القُربى المكمّمة بالجراثيم، المدجّجة ببراهين الدّجل، المدجّنة بالتنصيب النّاهل من الهائل المَهول والمُهيل، ثمّ تهاليل وتراتيل مزامير فَخوابير لطَقْش الجمجمة وَلِفَقْش الدّماغ، لدقّ اللغة في الجسد المُعدم على بياض الصفحة والصّفح لألوان الشاشة المشتعلة، شيش طاووس للتّكفير عن فعلة النار بالريش المنفوش لتدميم أركان التفكير بتمارين كُنْتَ تَمْتَرِسها لِبَجّ هكذا فنون كالزحلطة في التوابيت على أقواس القزح لتوليد الضوء الهجين من شبيهك الميّت بالذات تحنّ للذات الحيّة المشبوقة بالملذّات الموبوءة حتمًا بالمستحيل، ثمّ فاصلٌ شِعريّ عريق: سقف رأسي عظم، ركن جسدي لحم والدّم على الطرقات إلى أن يدلهمَّ الليل ويَصْطَفِيَ عِرق المبتدأ لِيَأتيك الخبر بجزمات تضاجع اﻷعناق فتعقّ وتعقّ، تعقّ قيء الفراغ المُسْتَقْتِل لِكَعْم الجسد العنيد المُتَشَبّث عبثاً بمتابعة مزاولة النّزاع المُفْتَرَضْ كَمُمْكِن مَاكِنٍ مُمَكْنَنٍ على صدّ تَمَنْكُح المُتَمَنْكِح على المُمَكْنَح للتَّمَكُّن من فرضيّة إمكانيّة السيطرة على حالة الهلع ثمّ هِلِلَعّ وهيّا بنا نُنَفِّخ عليها للجلاء، إيه والله نفّخناها من الفاتحة وبكلّ ما أوتينا من ضَعفِ نَفَسٍ نَفَخْنا عليها وما انْجَلَتْ، حتى الهواء انْجَلَطَ عن هيئة الشجر وتَشَنْكَحَ للتّحطيب، دَبَكْنَا على الغيم العقيم وشربنا طحين الصخر فَأَجَدْنا التلحين، ويا حنيّنا ويا عصير إعصار الكارثة في الذاكرة المصروعة، يا صلع اللغّة المقشورة من الحقّ العام ويا صرع الكلمات المَنْزُوعة على حواجز الحيّز الخاص، يا تنازعات الخطوط المعصورة مع الحروف المفرومة في فانتازيا وجود لغة البلد المفقود، لغة الفقدان الدائم للوطن الموهوم بالوجود، لغة ديمومة العنف المخلوق من نوستالجيات بالجملة وبالمفرق، بالوراثة والتوريث، من الأبوّة المقتولة بالشهادة والأمومة الشاهدة على اغتصاب الطفولة، من الرجل الدّاشر الفارر من وجه السلم المندفع للحرب بإباء نخوة الغباء، من حب الٱمرأة الهاجر كالواقع من مخيّلة الأولاد، تبًا! ماذا سوّيتم بالحبّ المُساوي للأمل في لاجدوى دوران الحنين القاهر العائد بنا كالعادة إلى
الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحرب؟
شَوَيْنا السّماء المسطّحة على اﻷرض المُدَوْلبَة، دَحَشْنا سيخ اﻷفق في ماكينة الدّماغ المُكَرْبَجَة، صَبَغْنَا البحر اﻷزرق المتكبّر بِكُرَيَّات الدم اﻷسود، حَرَقْنا النبات وَتَبَخْتَرْنا على شحتار الدَّواب، شَمَّرْنا عن اﻷعراض وَغَطَسْنا في الرَّحم اﻷحمر المتوسّط كفطريات خضراء على بياض العدم، وُلِدنا من القتل الرّحيم وللقتل الرّجيم أَتَممنا كلّ نذور العناد المُطَعْوَج والقويم ثمّ كَرَجْنا مبطوحين كالحمير النافقة في مجارير القرابين وصَلَّيْنا للحشرات الطائرة بِمَهَابِط القديسين وَهَلَّلْنا لِطُوباويّة الجرذان الفالتة من نُبُّوة الطّاعون والطَّعن في الصّدر وفي الظهر وفي الحنجرة، بَلَعْنا ألم القلب عن غصب ومن قالب المؤخرة خرج شكل الفم المُغْتَصِب فَأطلقنا العنان للنّطق بلغة منطق الاستفراغ والهرير، شَطَحْنَا فُلُولاً وَتُلُولاً بين الهالات والهيولات، انْشَلَطْنَا وَالْتَوَيْنَا بين أَسطر المهابهاراتا وانصهرنا أُنَاسًا تُجَوْهِرُ عساكرَ تُذَوّب القوانين والدساتير، فَرَكْنَا بِالْيَد المبتورة قُرُنْفُلات كَرْنَفَالات لبنان العظيم، شَكَّلنا فَظاظيعَ قُوّات حلم الفينيق وانْبَجَسْنا كالسّباع مفجورين على دوّارات البلد الشّارد الحليم، انْشَطَرْنا بِرمّانات التمرّد والصّمود والتّصدي، انْكَفَأْنا تحت مظلّة التدّخل الممانع للسّريع ثمّ انسحبنا ببطء من فخوت التاريخ كسلاحف دون بيوت نبحث عن المفاتيح، نضيع في قراءة خرائط العودة إلى ليبيراليّات حليب النَّوَر المنقوعة بشيوع تعاونيات وطنية عابرة للمجرّات مجهّزة بقلاّبات لأعصاب التوتّر الفاشي وعدّادات أتوماتيكية لإحصاء أموات اشتباكات التكتّلات على جبهات ألاعيب عجب الرأس العادم المنشطر باشتراكيّات متشظيّة نسقيّة نمطيّة جيوبوليسيّة مثيرة جنسيًّا بوعودها الرّنانة كحملات تلميع مزهريّات المدافن بشبق الحياة والتّوق الحتميّ للتّقدم وللتحضّر باعتماد كل تقنيّات الرجعية بدءًا بطيّ صفحة الماضي وزبل تربة اﻷموات بالأسيد والفورمول والسّيفور والتّخلي عن المفقودين المنتظرين تفاديًا لتكرار مستقبل التاريخ المشرق هراءً بهراءٍ، قد سخّرنا فعلاً كل ما فينا من طاقات ميتة ومتيّمة بحبّنا لمجانيّة العدميّة الحيّة فينا أبدًا كالموت بالروح المطلقة وبالدّم المطلق فداء لكلّ الزعماء ولكلّ الجماهير، اسْتَطْلَعْنَا فاسْتَشْرَقْنَا واسْتَغْرَبْنَا فاسْتَنْفَرْنَا واسْتَنْدَبْنَا واسْتَجْهَرْنَا فتَهَجَّرْنَا وتَرَمَّدْنَا وتَصَمَّتْنَا فتَمَنْطَقْنَا وتَحَارَبْنَا وتَقَاتَلْنَا فأَدْمَنَّا على سَفْك الدّم وتَدَمَّمْنَا، ثمّ تَقَمَّطْنَا في القبر مع المدفع وما هَمَدْنا، على الله، علينا وعليهم، شدّوا الهمّة وبالطبع شَدَدْنا الهمم ومضينا في رحلة الندم على مئة ألف طلق وأكثر، تناسينا أن الرّحلة بدأت بطلق واحد فقط وما انتهت إلاّ بمئة ألف قتيل وأكثر، أعدنا افتتاح الشوارع بقصّ الرأس وبربطه بالمال وبالتشويح به وبالحلم وباﻷمل من على أعلى المنابر، ندّدنا مبهورين كالمبهولين بانشقاق اﻷمم المتحدة جمعاء عن أبسط مفاهيم الودّ واﻷنس للأنسنة والتأنسن، ثمّ انعزلنا في عقدة الضحيّة كليّة الطوبى المشتاقة لجلاّدها اﻷكبر العظيم، آمين، نوستالجيا القتيل لزمن العودة بالحب القاتل إلى
الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجنون.
(الرسم لتانيا صالح - taniasalehdoodles )
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة