إنه طانيوس شاهين الثقافة المضادة في ستينيات القرن الماضي. سَبَقَ نادين لبكي في الدعوة للزراعة كي لا يضربنا الجوع وتقتلنا المؤامرة. تحدّثَ عن ضرورة معالجة مسألة خواء الروح قبل خواء المعدة، ودعا لتحرير المرأة والطبيعة من جشع رأس المال. إنه الرفيق موراي بوكشين.
شكراً على المقدمة المقبولة نسبيَاً يا رفيق. وأريد أولاً أن أعبر عن سروري وثقتي بمجلة "رحلة" وهو مشروع تعاوني طليعي واعٍ وواعد. بالتوفيق.
بدايةً رفيق بوكشين، كيف انتقلت من اعتناق مذهب الماركسية إلى وضع نظريتين أطلقت عليهما تسميتي "الايكولوجيا الاجتماعية" و"الكومونالية"؟
في الحقيقة، كنت ولا أزال أعتبر أن ماركس كان على دراية بالمسألة الايكولوجية المرتبطة برأس المال. فهو كان واضحاً عندما أشار إلى مخاطر الرأسمالية، من بينها التلوّث، بالنسبة للجنس البشري. وأصر ماركس على اعتبار أن منطق الرأسمالية، الذي يهدف إلى تكديس الأرباح والتوسّع، يتعارض مع القيم الإنسانية وحتى مع استمرار الجنس البشري. ومن هذا المنطلق، لا تعارض مع الماركسية وموقفها من النظام الرأسمالي. إلا أن الماركسية أصرت في نقدها الرأسمالية على التحليل الطبقي وإعلائه فوق عوامل أساسية أخرى. كما ظهر نوع من التبسيط بين مصطلحي "الدولة" و"الهرمية" فأصبحت الدولة هي الشكل الأساسي للهرميّة. أعتقد صراحة أن الدولة هي واحدة من الهرميات التي تخدمنا، ولكن ثمة هرميات أخرى حكمتنا لفترات أطول قبل ظهور الدولة بشكلها الحديث. فالمجتمع البطركي والقبلي والديني والحربي كلها مجتمعات هرميّة سبقت الدولة. وحتى عندما تتحوّل إلى حزب يدّعي التحررية ويفرض على أعضائه نظرة واحدة لمجمل قضايا الإنسان، فإنك بذلك تقضي على الإنسان وتساهم في تدمير الحياة.
لا يعنيني بأي شكل من الأشكال أن أتقبل واقع المجتمع اللاعقلاني، ولكني أتصالح مع هذا النوع من المجتمعات الذي يقضي على كل ما له قيمة بالنسبة للإنسانية ويقضم كل ما هو جميل ونبيل في التجربة الإنسانية. ولذلك، علينا أن نفعل المستحيل. ولذلك أيضًا، فإن عدم محاولتنا تحقيق المستحيل، سيفرض علينا ما لم يكن في الحسبان.
إذاً...ما هي نظرية الايكولوجيا الاجتماعية؟
تنطلق الايكولوجيا الاجتماعية من قناعة بأن جميع مشاكلنا البيئية الحالية تقريبًا تنشأ عن مشاكل اجتماعية متأصّلة وقديمة. وانطلاقاً من هذا الموقف، لا يمكن فهم المشاكل البيئية، ناهيك بإيجاد الحلول، دون فهم دقيق لمجتمعنا الحالي واللاعقلانية التي تهيمن عليه. بمعنى آخر، الصراعات الاقتصادية والعرقية والثقافية والجنسانية تحدث وسط أخطر الاضطرابات البيئية التي واجهتها البشرية. وهنا على الايكولوجيا الاجتماعية أن توضح للفرد هذه العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة وكيفية بناء التكافل، Symbiosis، بين الأفراد والجماعات والطبيعة. وهنا لا أقصد بـ"التكافل" كراتين الإعاشات كما يسوّق لها الزعماء اللبنانيون، بل أقصد نظم حياة يتبادل فيه الأفراد الموارد ويعملون معاً من أجل المصلحة العامة.
هناك نظريات أخرى تقول بضرورة الصدام بين "الحضارة" و"الطبيعة"، وبأن المرأة في هذا الصدام تنتمي إلى الطبيعة، وعليه فإن دورها تقلّص تدريجيّاً مع نشوء الحضارة وتقدمها. ولكن ألم يلاحظ اولئك كيف أصبح مشروع بناء الحضارة محرقة للطبيعة وسجناً كبيراً للنساء؟ الصدام المطلوب اليوم هو صدام بين الإنسان الباحث عن الحقيقة والحرية والبيئة السليمة من جهة، وبين آلة الحضارة البطركية الهرمية التدميرية من جهة أخرى.
آه أنت "تحركش" بفرويد. ولكن فرويد تحدث عن "قلق الحضارة" واعتبر أن هذا القلق هو الثمن الذي ندفعه لبناء هذه الحضارة. أي أنه على دراية بجوانبها السلبية.
أنا لا "أحركش" يا عزيزي، فرويد هو الذي يحركش عادة في أمور لا تعنيه، في أمهات وآباء الناس. لكن المشكلة في البروفيسور فرويد تكمن في عدم تقديمه نقداً لسيطرة الرجل البطريرك على هذه الحضارة. فهو اعتبر بكل بساطة أن الظروف التاريخية أبعدت المرأة شيئاً فشيئاً عن ركب الحضارة، وأن هذا النوع من "التباعد الاجتماعي" التدريجي أكسب الرجل سلطة وقوة على المرأة وعلى الطبيعة في آن واحد. على كل حال، وحتى لو استخدمنا نطريّات فرويد، فسوف نرى في العالم وفي الميثولوجيا أن القلق لا يزال يسيطر على الحضارة وأن كل إبن وكل جيل يريد أن يقتل السلطة الأبوية التي تحكمه من دون سبب، البطريرك ليس عدو المرأة فحسب، بل هو أيضاً عدو الطبيعة التي تعطينا الحياة.
يا ساتر. صحيح، لا تزال هذه اللعنة تلاحقنا منذ بداية التاريخ. طيّب. وما هو البديل الذي ينشأ إنطلاقاً من نظرية الايكولوجيا الاجتماعية؟
الكومونالية، Communalism، هي نظام إدارة للحياة يشمل الملكية الجماعية المشاعية وتنظيم فدراليات مؤلفة من كومونات محليّة صغيرة ومستقلّة. هذه هي نظرية الإدارة السياسية التي ترتبط بنظرية الايكولوجية الاجتماعية التي طرحتها سابقاً. وهي نظام إدارة كان موجوداً قبل قيام الدولة بشكلها الهرمي الحالي. ويتناقض هذا النظام مع النظام البرلماني لناحية الدور الفاعل للفرد في إدارة حياته. فالنظام البرلماني يعني أن للأفراد دور محدود هو الإستهلاك اليومي للسلع والمشاركة في الاقتراع مرة كل 4 سنوات لاختيار ممثل ينوب عنهم. تتشابك الكومونات والمجالس البلدية مع بعضها في فدراليات تشكل سلطة بديلة مضادة لهيمنة الدولة والنظام الرأسمالي على الحياة ومواردها.
تغيير هيكلية المجتمع هو التحدّي الأساسي الذي من شأنه استعادة السلطة من قبل الناس. وأفضل ساحة لخوض هذه المعركة هي البلديات، بلديات المدن والقرى. ففي هذه الفضاءات نملك فرصة لخلق ديمقراطية مباشرة يتفاعل فيها أفراد الكومونة ويعملون معاً من أجل مصلحة الفرد والجماعة.
طيب فهمت عليك. أنت تتحدث عن اللامركزية والبلديات وغيرها من أشكال الإدارة الذاتية في كنف الدولة. نوع من التباعد الجغرافي والهرمي الذي يهدف إلى تخفيف سطوة الدولة المركزية وبيروقراطيتها. ولكن، ألم تسبقنا إليها الرأسمالية والرجعية؟
لقد سمحنا للساسة الرجعيين والناطقين باسم الشركات الكبرى بالاستحواذ على القيم التحررية. لقد سمحنا لهم ليس فقط أن يصبحوا "الصوت" المخادع الذي يدّعي هذه المثل، ويستخدم الفردية لتبرير الأنانية تحت راية "السعي وراء السعادة"، pursuit of happiness، لتبرير الجشع. وحتى عندما حاولنا التركيز على الإدارة الذاتية المحلية، فقد استخدموها لتبرير حكم الأبرشيات القصيرة النظر والعشائرية والانعزالية والاحتكار. وتم ذلك غالبًا ضد الأقليات العرقية وما يسمى بالأفراد "المنشقين". نعم مثلكم أنت يا "إتحاد المنشقين عن قوى الأمر الواقع". لقد سمحنا لهؤلاء الرجعيين بالاستحواذ على كلمة "ليبرتاري"، وهي كلمة ابتكرتها "إليزيه ريكلو" في تسعينيات القرن التاسع عشر في فرنسا كبديل لكلمة "أناركي"، التي كانت الحكومة قد حظرت استخدامها. وهكذا استحوذ مؤيّدو وعشيرة "آين راند"، رمز الأنانية والملكية الخاصة على عبارات وقيم كان ينبغي أن يعبّر عنها الراديكاليون مثلنا. نعم لقد سبقتنا الرجعية إلى اللامركزية، شكليّاً على الأقل.
والأمر سيّان مع "سيليكون فالي" وعموم شركات التكنولوجيا. فهي تمتلك مبادئ وقيم رجعية وسلطويّة هدفها الأوحد تكديس الثروات لحفنة من الرجال، على حساب الإنسان والمجتمع والمرأة والبيئة. ولذلك تنفق هذه الشركات مبالغ طائلة على حملات العلاقات العامة لتحسين صورتها بشكل دائم. وأُعطي هنا مثال شركات سيليكون فالي لإنها من المؤسسات التي تبنّت باكراً الشكل الأفقي في الإدارة، والإدارة الذاتية لفرق العمل (مجموعات مطوّري برامج، مجموعات مصمّمي منتجات...)، وهي التي طوّرت سياسات تُشعر الموظف بأنه يدير أموره بنفسه أو أنه صاحب القرار. وفي المقابل، تستخدم هذه الشركات أيضاً التكنولوجيا نفسها لمراقبة موظفيها وحركتهم وتعاقبهم في حال حاولوا تنظيم أنفسهم في نقابة بهدف تحسين ظروف العمل والأجر.
أعذرني ولكن هذا الانفعال ناتج عن موقف واضح لا لُبس فيه ولا بديل عنه. اللامركزية وحدها تعني أن تتأمل خيراً من حكومة تكنوقراط. الحكم أو الإدارة الرشيدة تتطلب روحاً حرّة وعادلة وليس شكلاً تنظيمياً فقط. فنفس الشكل التنظيمي يمكن استخدامه للسطو على خيرات شعب أو تأمين حاجاته المباشرة. وكما تقول روزا لوكسمبورغ "نحنا عند مفترق طرق وعلينا أن نختار بين المضي نحو الإشتراكية أو العودة إلى البربرية"، قد تدفعنا اللامركزية في كثير من الأحيان إلى السير في طريق وعر نحو البربريّة.
أنظر إلى لبنان، تخيّل أن نسلّم السلطة اللامركزية لرؤساء وأعضاء البلديات وهم بمعظمهم مجموعة من الرجال الطاعنين في السن. تخيّل أن يدير بلدية عين الرمانة أو جبيل، كما جرت العادة، اولئك الرجال "الوجهاء". لماذا تريد أن تعطيهم المزيد من الصلاحيات يا رجل؟ كيف تتوقع من هذه الخطة الموجودة أصلاً أن تؤدي إلى نتيجة مختلفة؟ هم أسوأ من الفاشيين والسلطويين. هم بصلاحيات قليلة يعطون رخص الكسّارات والرّدم ويرمون النفايات في الأنهر ويلوّثون المياه الجوفية ويقفلون الشواطئ العامة ويبنون الفنادق اللانكاسترية ويوجهون قنوات الصرف الصحي إلى عرض البحر.
منهم يا ناري، يا ناري، لاخد بتاري، يا ناري….أتفهم مخاوفك يا سندي. فأنتم تعيشون في لبنان في ظل نظام تختلط فيه الإقطاعية السياسية بالرأسمالية الاحتكارية الريعيّة. أي أنكم لا تنتجون شيئاً، فتضطرون إلى استيراد كل شيء، بمساعدة الساحر رياض سلامة. ولذلك يبقى السؤال الأهم هو التالي: كيف يمكننا الانتقال إلى نموذج الكونفدرالية الديمقراطية المبنية على قواعد الحرية والتكافل المحلّي؟ ماذا لو فازت الأحزاب الطائفية والرجعية، كعادتها، بمقاعد البلديات وحكمت "بالديمقراطية" ونفّذت جرائمها البيئية ونشرت شرطة الأخلاق البلدية؟ المطلوب أولاً تغيير جذري في قيم المجتمع. وهذا التغيير الجذري لا يمكن أن يحصل من دون أحداث جذرية أو مبادرة من جهات محددة. خذ مثلاً طرح "مواطنون ومواطنات في دولة". قدّموا تصوّرهم لأسباب الأزمة، بالإضافة إلى خطة مرحليّة وخطة بناء مجتمع جديد. المشكلة في طرحهم هو الإصرار على "الدولة". لا أريد بناء الدولة صراحة. لماذا لا يطلق اتحاد المنشقين عن قوى الأمر الواقع مبادرة "منشقات ومنشقون في كومونة"؟ فأنتم تملكون جريدة وخبرات متنوعة تسمح لكم ببناء البديل بدل المطالبة به. البديل موجود، البديل ليس "ازعرها، اسقيها، عالبلكون". البديل الحقيقي هو "احرقها، نضفها، أسسها بشكل جديد".
الحل برأيي هو "إزرع أحصد كسّر لفّ". على كل حال… في كتابك "التحضّر من دون مدن: صعود وسقوط المواطنة" تعتبر أن التحضر هو القوّة التي تقضي على قيمة العمل البلدي المحلّي وتفقده شكله. وهكذا، ما كان ديناميكيًا ومشجعًا لخلق احتمالات المستقبل، يصبح مساحة تتم فيها برمجة جميع التفاعلات البشرية مسبقًا. نحن نعيش الآن في المدن… أم في الحضر؟ لم أفهم الفرق بين الإثنين.
في أسوأ حالتها، تشكّل المستوطنات البشرية مساحات منظّمة بشكل صارم، تسيطر عليها نخبة إدارية منفصلة عن السكان. في مثل هذه الأماكن، يفقد السكّان دورهم كـ"مواطنين"، ويحدد التكنوقراط والنخب مجمل السياسات المتبعة في هذه المساحة. من المفيد هنا التمييز بين المدينة، City، والحضر، Urban. أتذَكَر "وعد المدينة" الذي وصفته حنّة آرنت في مقال كتبته تحت عنوان "وعد السياسة". السياسة "الحقيقية" هي الوعد، وعد المدينة، لأنها تظل مثالية غير محققة. إذا كانت السياسة هي قدرة أشخاص من مشارب مختلفة على التلاقي معاً والمبادرة لتوجيه مستقبلهم، فإن المدينة هي المكان الذي يستطيع فيه الناس القيام بذلك. أما المناطق الحضرية، كما نراها اليوم، فهي مساحات إدارية. وارتباط مصيرها بهيئة إدارية مركزية يقوّض بشكل ممنهج التفاعلات العضوية بين من يعيشون فيها. بمعنى آخر، أي شيء غير مخطط له هو أمر مرفوض في المناطق الحضرية. المثال الأوضح هو "دبي"، التي بنيت كمساحة حضرية للتبادل التجاري. هي مول كبير صمّم المهندسون مسبقاً كل خطوة فيه، وكل تجربة لك فيه وكل تفاعل وزيارة صباحية ومسائية معدّة مسبقاً. هم صمموا كيف تدخل إليها وكيف تُطرَد منها بعد أن تستهلكك وتستهلك الأرض ومواردها.
عمري ما حبيتا لهالدبي. "فرّق تسُد" هي واحدة من استراتيجيات الإستعمار الأوروبي الأكثر فعالية، إضافة إلى مذابحه الجماعية. تفريق الجماهير والتباعد الإجتماعي خوفاً من الفيروس والآخر، الفيديراليات الطائفية، الخ… يبدو التباعد سهلاً وحلاً منطقياً، فلماذا تصر يا بوكشين على أن نتلاقى ونعيش حياة "كومونالية"؟
بكل بساطة، لأن كل أمثلة التباعد والمشاكل والأزمات التي عرضتها للتو هي وليدة النظام الذي يحكمنا منذ آلاف السنين. والنتيجة لا تدعو إلى التفائل. التباعد ليس قدراً.
طيب فلندخل إلى التجربة الكردية في روج آفا. لقد حاول عبدالله اوجلان من سجنه التركي تطبيق نظام الكونفدرالية الديمقراطية في شمال سوريا. فكيف انتقل هذا الماركسي-اللينيني، مثلك، إلى الكومونالية والايكولوجيا الإجتماعية؟
دعني اخبرك سريعاً عن أوجلان. مع بداية الألفية الثانية، وعندما كان في السجن، قرأ أوجلان مؤلفاتي "الكومونالية" حول تنظيم المجتمع والبيئة والمرأة والتحرر. وعندما وصلتني الأخبار من مساعديه كتبت رسالة قصيرة عبّرت له فيها عن سعادتي باهتمامه بالكومونالية. وأريد الإشارة هنا إلى أن أوجلان أجرى تعديلات على نظريتي لتتناسب مع الواقع الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي لكردستان وأطلق على النظرية إسم الكونفدرالية الديمقراطية، Democratic Confederalism.
وانطلاقاً من مؤلفاتي، رأى أوجلان أن ظهور الهيكلية الهرمية في المجتمعات البشرية والطبقات ونظام الدولة لم يكن أمراً حتميا أو طبيعياً، بل فُرض بالإكراه. فزاد انتشار فكرة الدولة نتيجة استخدام واسع النطاق للعنف والاحتيال. وعلى عكس النظرية الماركسية التي تقول بضرورة مرور المجتمعات بجميع مراحل التطور الاقتصادي، طرح أوجلان مفهوم بناء ديمقراطية راديكالية في المجتمع الكردي التقليدي. فالمجتمعات الشرق أوسطية لا تزال تشكل تربة خصبة للمشروع الديمقراطي حيث لم يغمرها كلياً الاغتراب والتهشيم الناتج عن الحداثة الرأسمالية. وعليه، تحدّد الهدف ببناء البدائل بدل التصادم لانتزاع السلطة، ووضع التنمية البيئية كأولوية عند طرح الخطط والسياسات.
جميل السيد أوجلان، القراءة مفيدة، خاصة في السجن. طيب ماذا عن الشقّ المرتبط بالمرأة ودورها في المجتمع. هل تعتقد أن ما فعله أكراد روج آفا وعرب الجزيرة منذ عام 2011 كان كافياً لاستعادة المرأة لحقوقها؟
جهّزَت ودرّبَت قوَات حماية الشعب الكردي النساء لحمل السلاح وقتال داعش. طبعاً المشهد على التلفاز مختلف. الإعلام الغربي يحتفي بالمرأة "المستقلة" التي تواجه التطرف الإسلامي. ويتناسى هذا الإعلام أن المجتمع الذي تحاول أن تبنيه النساء هو مجتمع "الايكولوجيا الاجتماعية" نقيض "الرأسمالية السلطوية".
لا أدّعي أنني أعرف الكثير عن ما يدور حالياً في منطقة روج آفا. ولكن أعجبني فيديو على يوتيوب بوثق قسم يتلوه شباب عرب خلال حفل تخرجهم من الأكاديمية العسكرية التابعة لقوات حماية الشعب. يقول الشباب العرب من أبناء دير الزور في القسم: "أقسم بالله العظيم، أن أنفذ كل ما تعلمته في الأكاديمية وأن ألتزم بنهج المجتمع الديمقراطي وحرية المرأة." حريّة المرأة يا رجل! مع أن هذه الأمور عادة ما تكون من الشكليات، إلا أنني أعتبرها قفزة نوعية بالنسبة للمجتمعات العربية. المضحك في الأمر أن القسم يبدأ بـ "أقسم بالله العظيم". يبدو أن أوجلان لم يقرأ منشوراتي حول الديانات البطركية.
ولكن، بعيداً عن العروضات والعراضات، لاحظت كيف أن "لجان السلام النسائية" في روج آفا، والتي تلعب دور محكمة الأحوال الشخصية، تتخصص بحلّ النزاعات المرتبطة بالعنف المنزلي ومختلف أشكال العنف ضد المرأة. وتتألف هذه اللجنة المستقلة من النساء فقط. إلا أن ثورة روج آفا أبعد من أن تكون يوتوبيا للنساء. إذ لا تشارك جميع النساء في المنظمات النسائية، ولا تزال المرأة في كثير من المناطق تعتمد اقتصادياً على زوجها وأسرتها. وفي ظل الظروف الأمنية المعقّدة، يبقى حلم المجتمع الديمقراطي معلّقاً بضرورة المفاوضات والديبلوماسية وتحالفات المصالح التي تعيد إنتاج الكوارث والنزاعات.
شكراً رفيق بوكشين على هذا الحوار العظيم، على أمل أن تزورنا قريباً في لبنان لترى بأم عينك كيف حرثنا الأراضي الزراعية وحصدنا أول محصول من الأوهام التي سنُشبِع فيها رغباتنا وأحلامنا البسيطة جداً.
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة