ستفشل الثورة كما فشلت كل الثورات التي سبقتها، حتى تلك التي انتصرت. الفشل والجنون سيرة الحياة الدنيا، وكما تقول السماء، "الباقيات الصالحاتُ خيرٌ عند ربّك ثوابًا وخيرٌ أمَلًا". والأملُ خطيئة لا تُغتَفَر إلا بالمزيد من الأمل. الثورة والفشل والأمل ضرورات يوميّة كما الماء والهواء والخيال.
هذا هنا مانيفستو نهاية العالم. وهو يتطابق تطابقًا كاملًا مع مانيفستو بداية العالم. وهو مكتوبٌ باستخدام الكمبيوتر (أي الحاسوب الإلكتروني الذي يفعل أكثر من مجرّد الحساب). أي أنه مكتوب بشيفرات رقمية على آلة تشغّلها بطارية، بلا حبر ولا ورق ولا دواة. وأوّل ما يدعو إليه هذا البيان: تدميرُ المجتمع.
كان بودّي أن أشرح وأطيل، ولكن تفسير المفسّر وكثرة الكلام أمورٌ يتّفق عليها المجتمع ومنطقه. ولذلك، لا شرح في هذا البيان. نؤمن بالإنسان وقدرته على الفهم والتفسير، قارئًا كان أم أمّيًا.
بعد تدمير المجتمع، استراحةٌ طويلة للتفكير. وبعد الاستراحة، فليحبّ بعضنا بعضًا. ندعو – نحن الذين لا نطيقُ اليومَ شيئًا – إلى عالمٍ جديد يُطاق. أوّلًا، لإعادة إحياء صيف 1969 – صيف الحب - وكل السبعينات لو صحّ لنا ذلك – الخيّر منها نعني - دون التعريج على الحرب الأهلية اللبنانية. ندعو إلى توزيع طوابع الأسيد على البشر، كل البشر، سيما أهل السياسة - الحيوانات الخنزيرية الزهرية القيئية. مرحلة ما بعد الكورونا وما بعد الثورات تتطلب هذا المستوى من الوعي، لإنقاذ ما تبقى من الآدمية. سنحتاج لكميات هائلة من الغيتارات الجيدة والروك أند رول الجيّد، واللهُ المستعان.
لنخدّرهم نعم، بلطف الأمهات اللاتي يدسسن الدواء لأطفالهنّ في طعامهم المفضّل كي يستسيغوه. رجل الأمن والسياسي والمصرفي ورجل المال، كلّهم مكوّمون هناك في الزاوية في وضعية الجنين، أحدهم مبهورٌ بشكل السقف، وآخر مدووخ بخطوط كفّ يده وثالثٌ يبكي فرحًا لملمس لسانه على أسنانه، وواحدٌ يتوق لمهاتفة أهله والبوح بحبه لهم. وقبل أن نفعلها ونخدّرهم، لنتخيل أننا فعلناها، فهذا أيضًا جزءٌ مهم من عملنا. تخيّل رئيس جمهوريتك الذي يأخذ على خاطره من كلماتك، هكذا، أسدِ له معروفًا وتخيله باكيًا شاكيًا.. طيّب، رئيس مجلس نوابك، مثلاً يعني.. متشقلبًا على الجنبين مناجيًا كائنات البرزخ لتلفّه بحبّها الإلهي اللا محدود.
لنعِنهم على أنفسهم في خيالاتنا. لنتجرّأ عليهم أكثر مما تجرأنا على الآلهة. لنجبرهم على لعب "كراسي"، الركض / كالبهائم / في سراويلهم الداخلية حول كرسي واحدة على ألحان سانتانا. ثمّ، "ستوب"! تتوقف الموسيقى ليتعاركوا كالأطفال على كرسي مبخوش. كم سنضحك يا رفاق، ثمّ نضعهم في السرير ونتمنى لهم ليلة طيبة مليئة بأحلام المواطن العادية الكابوسية.
كم سنجهد في محاولة تفادي العنف، نستبدله بالتخدير. هذا كلّه في الأول. لكننا في عالمنا الجديد، لا وقت كثيراً نصرفه على هؤلاء، فنحن نريد الاستمتاع ب"تْرِيباتنا" الخاصة. كما أنّ علينا استعمال كل هذه الأقنعة التي اشتريناها مع الكورونا في شيء مفيد. لن تقرأ الروبوتات والكاميرات مقاساتنا البيومترية الآن فيما نسطو على كلّ شيء. كم سنرجع إلى كتاب "آبي هوفمان" لندرس نصائحه عن السرقة النظيفة الخفيفة وأخذ ما تحتاج من المحلات الكبيرة، "اسرق الآن / لا تدفع أبداً"، لأنّ عالمًا تفيض سلعه عن حاجات كل سكانه، فيما نسبة ضئيلة منهم فقط قادرون على الشراء، هو عالمٌ أهبل. السلع للرفوف أكثر منها لكم أيها الرفاق. عندما تسرقون فإنّما أنتم تنهبون الرفّ وليس للرف وجه. أنتم أصحاب وجوه، وأنتم أولى بها. لنأخذ حاجاتنا وننصرف – اللهم إلا إذا أحببنا أن نُهدي غيرنا، فنهديهم، لا جناحَ علينا، هدانا الله وهَداكم.
نعم، ماسك كورونا صديقنا المفضّل، نقابنا الذي يقينا تصنيفنا في ملفّات كأننا عيّنات بكتيريا. لقد أخذوا بصمات أيدينا التي لا مثيل لها، فلن يسلبوا منّا ملامح وجوهنا. ولهذا نعلن مجددًا نهوضنا – نحن الذين لا نطيق شيئاً – نحن المنشقّين عن قوى الأمر الواقع – بالعالم الجديد: مدن ملاهٍ في كل مدينة وقرية وبلدة، أم كلثوم وروك أند رول، وفرة وكثرة بدل الندرة، صراحة مطلقة بدل النفاق، مزاح ومزاج وشاي وخمور على أكتاف الوديان، على شواطئ البحار، على ضفاف الأنهار... لن نعمل لأجل العمل، سنعمل ما نريد حين نريد، سيكون المعمل جميلًا ذا رائحة طيبة. سيكون المستشفى ألطف من بيت أهلك وسيكون كل الناس أهلك وكل البيوت بيوتك. لن تخشى البوح بما تشعر به، سوف ينتهي كلّ خوف. حتّى أنّك ستعود للتفكير بإنجاب أطفال إلى العالم، تخيّل!
هذا ديننا، نتّبعه طوعًا يا رفاق، وقبل أن يحدث كلّ هذا، الآن وغدًا، ستفشل الثورة من جديد، والثورات الأخرى كذلك، والتي ستليها على الأرجح، فالمجتمع والحضارة ليسا أصدقاءنا، وأحيانًا لا نكون نحن أنفسنا أصدقاءنا. يا الله كم سنفشل، وكم سيكون ساطعًا فشلنا. ولكنّها "رحلة"، والطريق يؤدّي إلى مكانٍ ما، والمخيال يريد ذلك المكان بالذات ويفكّر، ربما، ربما، ربما، نصل بعد أن نضلّ الطريق؟
كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة